تخطى إلى المحتوى

بروبايكر وكوبر: تجاوز “الهويّة”

  • بواسطة


كتابة: روجرز بروبايكر وفريدريك كوبر

ترجمة: إيناس المقدادي
مراجعة: أحمد العوفي

موجز المترجم:

 في المقال الذي أثار اهتمامًا واسعًا في مجال الدراسات الاثنية في مطلع الألفية، يقدم عالم الاجتماع روجر بروبيكر وزميله المؤرخ فريدريك كوبر نقدًا جذريًا لمصطلح “الهوية” ويخلصان إلى عدم صلاحيته لتحليل ظواهر الإنتماء وتعريف الذات الجمعية، ويدعوان إلى التخلي عنه بشكل كلي واستخدام مفاهيم بديلة أكثر دقة لفهم هذه الظواهر. يرصد الكاتبان المعاني المتضخة، الرخو منها والصلب، لـ”الهوية” والضبابية المفاهيمية التي ارتبطت بذلك في العديد من الحقول الإنسانية والاجتماعية، مجادلين أن شيوع الاستخدام لا يبرر تحويل التعبير الدارج لمصطلح تحليلي لتناول طيف واسع من الظواهر دون تمييز. لذلك يقرحان ثلاث مفاهيم بدلية ألا وهي: (١)”التعريف” (Identification)   الذي يتخلص من الدلالات اللغوية للهوية كـ”اسم” ويستبدله بمصطلح مشتق “فعل” يعبر عن الاستمرارية وعدم الثبات، و(٢) الفهم الذاتي (Self-understanding) الذي يتنبه للجوانب الذاتية للانتماء والتي تعطي معاني مختلفة لذات الانتماء، وأخير (٣) “حالة الجماعة” (Groupness) الذي يتناول الجماعات كالأمة والإثنية والعرق باعتبارها منجزات تاريخية متغيرة وغير مكتملة، لا كمعطيات يتم الانطلاق منها كمسلمات في التحليل. وفي دعم حجتهما وتبيان نجاعة المصطلحات البديلة، يناقش الكاتبان أمثلة متعلقة بالقبيلة والأمة والإثنية والعرق من شرق أفريقيا وأوروبا الشرقية والولايات المتحدة.

الإحالة للنص الأصلي:

Brubaker, Rogers, and Frederick Cooper. “Beyond “identity”.” Theory and society 29.1 (2000): 1-47.‏


كتب جورج أورويل قبل نصف قرن أنّ “أسوأ شيء يمكن أن يفعله المرء بالكلمات هو الاستسلام لها”. فإذا كان يجب أنت تكون اللّغة “أداة للتعبير وليست أداة لإخفاء الفكر و منعه” فإنّه يتعيّن على المرء “أن يدع المعنى يختار الكلمة وليس العكس”[1].يناقش هذا المقال استسلام العلوم الاجتماعية والإنسانية لكلمة “الهويّة” والتكاليف الفكرية والسياسية المترتّبة على ذلك ويبيّن أيضا استطاعتنا للقيام بما هو الأفضل. نرى أن “الهويّة” تميل إلى أن تعني الكثير (عندما تُفهم في معناها الصلب) وتعني القليل (عندما تُفهم في معناها الرخو). كما يمكن أن لا تدلّ على شيء مطلقا (بسبب الغموض الشديد الذي يشوب معناها).

سنقيّم العمل المفاهيمي و النظري الذّي من المفترض أن يؤديه مصطلح “الهوية”، ونقترح أن هذا العمل يتحقق بشكل أفضل من خلال اعتماد مصطلحات أخرى أقل غموضا، غير مرتبطة بدلالات “الهويّة” المشيّئة. كما نرى أن الموقف البنائي السّائد حول “الهوية”–وهو موقف يحاول “تخفيف” المصطلح ليبرئه من تهمة “الجوهرانية” من خلال النّص على أنّ الهويات مبنيّة وغير مستقرّة ومتعدّدة— يتركنا بلا سبب منطقي يبرّر الحديث عن “الهويّات” على الإطلاق كما هذا الموقف البنائي غير مؤهل لفحص الديناميّات “الصلبة” والمطالب الجوهرانية لسياسات الهويّة المعاصرة. تُمكّن البنائية “الناعمة” من نشر “الهُويّات” المزعومة. و لكن بانتشارها، يفقد المصطلح قيمتهُ التحليلية. فإذا كانت الهويّة في كل مكان، فلا يمكن أن توجد في كل مكان. وإذا كانت مرنة، فكيف نفهمُ السبل التي يتجمّد الفهم الذاتي للهوية و يتبلور ويتصلب؟ وإذا كانت الهوية مبينة، فكيف نفهم القوة القسرية أحيانا للهويّة الخارجية؟ و إن كانت متعددة، فكيف نستوعب التفرّد الرهيب الذي يسعى السّاسةُ نحوه–وينجحون في تحقيقه أحيانا- محاولين تحويل تصنيفات مجرّدة إلى مجموعات أحادية تعتمد منطق الإقصاء؟ وأخيرا كيف نفهمُ قُوّة سياسات الهويّة والعواطف التي وراءها؟

تعدُّ الهويّةُ مصطلحا أساسيا في اللغة العاميّة للسياسات المعاصرة و على التحليل الاجتماعي الأخذ بعين الاعتبار هذا الشأن. ولكن هذا لا يستدعينا إلى أن نوظّف “الهويّة” كصنف للتحليل أو أن نصوغ مفهوما “للهويّة” كشيء يمتلكه الناس ويسعون إليه و ينشئونه و يتباحثون فيه. إن اختزال كل الصلات والارتباطات وجميع أشكال الانتماء و جميع تجارب التشارك والترابط والتماسك وكل منطلقات فهم الذّات وتحديدات الهويّة الذاتية في عبارة “الهويّة” يحصرنا في لغة بليدة وجامعة وغير مفصلة.

نحن لا نرمي هنا إلى المساهمة في الجدال القائم حول سياسات الهوية وإنما سنركّز على الهويّة كصنف تحليليّ[2]. إن هذه المسألة ليست مسألة “دلالية مجرّدة” أو اصطلاحيّة إذ نعتقد أنّ استعمال مصطلح “الهوية” وإساءة استعماله لا يؤثر فقط على لغة التحليل الاجتماعي بل وعلى فحوى هذا التحليل. يتطلّب التحليل الاجتماعي نسبيا—بما في ذلك تحليل سياسات الهويّة—أصنافا تحليليّة واضحة. مهما كانت إيحاءاتها أو أهميتها في بعض السياقات العملية، فإنّ مصطلح”الهويّة” غامض ومتشتت جدّا بين المعاني البسيطة و الكليّة وبين الدلالات الماهويّة و النعوت البنائيّة وهو ما يمنعها من خدمة متطلبات التحليل الاجتماعي بشكل جيد.

أزمة “الهويّة” في العلوم الاجتماعيّة

إنّ “للهويّة” في مختلف اللغات تاريخا طويلا كمصطلح تقني في الفلسفة الغربية من الإغريق القدامى حتّى الفلسفة التحليلية المعاصرة. وقد تمّ توظيفها لمعالجة المشاكل الفلسفية المزمنة المتعلقة بالاستمراريّة في ظل التغيير الجليّ وبالوحدة وسط التنوع الواضح[3]. ومع ذلك، يعدُّ انتشار الاستخدام الدارج لمصطلح الهويّة ومثيلاتها واستخدامها اجتماعيا و تحليليا أمرا حديث العهد و محدود المصدر. كان أوّل تقديم للهويّة في إطار التحليل الاجتماعي وانتشارها الأوّلي في العلوم الاجتماعيّة والخطاب العام في الولايات المتحّدة الأمريكيّة سنة 1960(مع بعض التوقعات في النصف الثاني من الخمسينيات)[4]. أهم وأكثر مسار معروف هو ذلك الذي تضمن العناية بأعمال إيريك إيريكسون وانتشارها (الذي كان أوّل من صاغ مصطلح “أزمة الهوية”[5] من بين مصطلحات أخرى). ولكن كما يوضّحُ فيليب جليسون[6] أنّه وُجدت أيضا طُرُق أخرى للانتشار. فقد نُزع مفهوم تحديد الهويّة (identification) من إطاره الأصلي ألا وهو التحليل النفسي (مثلما قدّمه فرويد لأوّل مرة) و تمّ ربطّه بالعرق من جهة (من خلال كتاب جوردون ألبورت الأكثر تأثيرا طبيعة التحيّز) ومن جهة أخرى بنظريّة الدور السيسيولوجي ونظريّة الجماعة المرجعية (عبر شخصيّات من مثل نيلسون فوت وروبرت مورتن). يتحدّث علم الاجتماع التفاعلي الرمزي جزئيا، المعني منذ بدايته “بالنفس”، أكثر فأكثر عن “الهويّة” من خلال تأثير أنسالم ستروس[7]. ومع ذلك، يعدّ ايرفينغ غوفمان وبيتر برغرالأكثر تأثيرا في نشر مفهوم الهويّة. فأمّا الأوّل فقد اشتغل على هامش التقليد التفاعلي الرمزي وأمّا الثاني على التقاليد الاجتماعية البنائية و الفينومونولوجية[8]

كان لمصطلح الهويّة وقعا كبيرا في الستينات[9]لعدّة أسباب، فانتشر بسرعة كبيرة في جميع التخصصّات و عبر الحدود الوطنيّة، مثبتا وجوده في المعجم الصحافي و الأكاديمي، متخلّلا لغة الممارسة الاجتماعية والسياسية وكذلك لغة التحليل الاجتماعي و السياسي. وفي السياق الأمريكي، وهبت روح الفردانية المنتشرة ولغتها بروزا لشواغل “الهويّة”، ولا سيّما في سياق تعميم مشكلة “المجتمع الجماهيري” في الخمسينيات و تمرّد الأجيال في الستينات. ومنذ أواخر الستينات فصاعدا، ومع ظهور حركة “القوة السوداء” ومن ثمّ حركات عرقية أخرى التي كانت بمثابة نموذج، انتقل الاهتمام من التركيز على الهويّة الفرديّة (والتي كان قد ربطها إيريكسون ب”بالثقافة المجتمعية”[10]) إلى مستوى المجموعة بكل سهولة. وقد تمّ تسهيل انتشار الطرح الهووي بسبب الضعف المؤسّساتي النسبي للسياسة اليسارية في الولايات المتحّدة الأمريكية وبسبب ضعف المصطلحات القائمة على الطبقة الاجتماعية في التحليل الاجتماعي والسياسي. يلاحظ عدد من المحلّلين أنّه يمكن فهم الطبقة على أنها هويّة[11]. وما نريد قوله هنا ببساطة أنّ ضعف السياسة المبنية على الطبقة في الولايات المتحّدة (مقارنة بأوروبّا الغربية) ترك المجال مفتوحا أمام مطالب الهويّة.

وفي منتصف السبعينيات من القرن الماضي، وصف و.ج.م. مكانزي الهويّة مبكرًا ككلمة “فقدت صوابها من فرط استعمالها”، كما لاحظ روبرت كولز أنّ مفاهيم الهويّة وأزمة الهويّة أضحت من “أنقى الكليشيهات”[12]. ولكن هذه لم تكن إلاّ البداية. ففي الثمانينات، مع صعود أفكار العرق والإثنية والجندر”كالثالوث المقدّس” للنقد الأدبي والدراسات الثقافية[13]، انضمّت العلوم الإنسانية إلى المعركة بكل قوتّها. ويستمر”الحديث عن الهويّة”—داخل و خارج الأوساط الأكاديمية—في الانتشار[14]إلى اليوم. إنّ “أزمة الهويّة”–أزمة الإفراط في الإنتاج وما يترتّب على ذلك من إضاعة قيمة المعنى—لا تظهر أي مؤشّر للتراجع[15]. وتدلّ المؤشّرات الكميّة والنوعية في الواقع على مركز—وكذلك حتميّة—”الهويّة” كموضوع. ومؤخّرا، تمّ إطلاق مجلتين جديدتين متعددّتي الاختصاصات حول هذا الموضوع، مع مجالس تحريرية مرصعة بالنجوم[16]. وبصرف النظر عن القلق المنتشر بخصوص”الهوية” في الأعمال التي تتناول الجندر، والجنسانية، والعرق، والدين، والإثنية، والقومية، والهجرة، والحركات الاجتماعية الجديدة، والثقافة، و”سياسات الهوية”، فانّ أولئك الذين لم يهتموا في المقام الأول بهذه المواضيع تعيّن عليهم معالجة مسألة الهوية. وهذه قائمة انتقائية لأبرز المنظرين الاجتماعيين وعلماء الاجتماع الذي يكمن عملهم الرئيسي خارج “مواطن” الهوية التقليدية للتنظير، ورغم ذلك كرّسوا كتاباتهم على “الهوية” في السنوات الأخيرة ومنهم نذكر:زيغمون تبومان، بيير بورديو،فرناند بروديل، كريغ كالهون، س. ن. آيزنشتات،أنتوني جيدينز، برنارد جيزن،يورغن هابرماس، ديفيد لايتين، كلود ليفيستروس، بول ريكور، أمارتيا سين، مارجريت سومرز، تشارلزتايلور، تشارلز تيلي وهاريسون وايت[17].

أصناف الممارسة وأصناف التحليل

تعدُ العديد من المصطلحات الأساسية في العلوم الاجتماعية والتاريخية مثل “العرق” و “الأمة” و”الإثنية” و”المواطنة” و”الديمقراطية” و”الطبقة” و”المجتمع” و”التقاليد” في الآن نفسه أصنافا من الممارسات الاجتماعية والسياسية وأصنافا من التحليل الاجتماعي والسياسي. نعني “بأصناف الممارسة”،كما يصفها بورديو، شيئًا يُشبه ما وصفها لآخرون بالأصناف “الأصلية” أو “الشعبية” أو “العامية”. ﻓﻬﻲ أصناف ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻻجتماعية اﻟﻴﻮﻣﻴّﺔ، التي طوّرتها اﻟﺠﻬﺎت اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ الاﺟﺘﻤﺎﻋﻴّﺔ اﻟﻌﺎدﻳﺔ ونشرتها، وتتميّز ﻋﻦ فئات التجربة البعيدة المستخدمة من قبل اﻟﻤﺤﻠّلين الاجتماعيين[18]. وﻧﻔﻀّﻞ توظيف ﺗﻌﺒﻴﺮ “أصناف اﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ” على اﻟﺒﺪاﺋﻞ، لأنه في حين تحتوي هذه البدائل على تمييز قاطع نسبيّا بين الفئات “الأصلية” أو “الشعبية” أو “العامية” من ناحية والفئات “العلمية” من ناحية أخرى، تتسم مفاهيم “العرق” أو “الإثنية” أو “الأمة” بالعلاقة المتبادلة الوثيقة واﻟﺘﺄﺛﻴﺮ اﻟﻤﺘﺒﺎدل ﺑﻴﻦ الاﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ واﻟﺘﺤﻠﻴﻠﻴﺔ. [19]

إنّ “الهُويّة” أيضًا هي صنف من الممارسة وصنف من التحليل. كصنف من الممارسة، يتم استخدامها من قبل الفاعلين “غير المتخصصين” في بعض المواقف اليومية (وليس كلها!) لفهم أنفسهم، وأنشطتهم، وما يتشاركون فيه، وكيف يختلفون عن الآخرين. كما يستخدمُها القادة السياسيون لإقناع الناس بفهم أنفسهم ومصالحهم وإقناع بعضهم بأنّهم “متطابقين” مع بعضهم البعض وفي ذات الوقت مختلفين عن آخرين، ولتنظيم وتبرير الفعل الجمعي في اتجاه معين[20]. وعلى هذا النّحو، فإن مصطلح “الهوية” متورط في الحياة اليومية وفي “سياسات الهوية” بمختلف أشكالها. ويشكّل “الحديث” اليومي عن”الهوية” و”سياسة الهوية” ظاهرة ملموسة ومهمّة. لا تتطلب سمة “الهوية” المعاصرة بوصفها صنفا من الممارسة استخدامها كصنف للتحليل. لنفترض هذا القياس: تُستخدم “الأمّة” على نطاق واسع كصنف للممارسة الاجتماعية والسياسة. وتعتبر الطعون والمطالب المقدّمة باسم “الأمم” المفترضة–من مثل المطالبة بتقرير المصير—محورية في السياسة على مدى مائة وخمسين عامًا. لكن لا يتعين على المرء استخدام “الأمة” كصنف تحليلي لفهم مثل هذه المطالب وتحليلها. ولا يتعين على المرء أن يأخذ صنفا متأصلا في ممارسة القومية—المفهوم الواقعي والمشيّئ للأمم كمجتمعات حقيقيّة—وأن يجعل منها مركز النظرية القومية[21]. ولا يجب على المرء أيضا أن يستخدم “العرق” كصنف تحليل–وهو ما يعني المخاطرة بالتسليم بأن “العرق”موجود بالفعل—لفهم وتحليل الممارسات الاجتماعية والسياسية الموجهة نحو وجود “الأعراق”[22] المزعوم. مثلما يمكن للمرء أن يحلل “الحديث عن الأمّة” والسياسة القومية دون افتراض وجود “الأمم”، أو “الحديث عن العرق” والسياسة المتوجّهة نحو “العرق”، فيمكنه أن يُحلّل “الحديث عن الهويّة” وسياسات الهويّة دون افتراض وجود “الهويّات”.

إنّ التشيئ (Reification)هوعملية اجتماعية، وليس فقط ممارسة فكرية. وهكذا، فهو يعدّ ركنا أساسيا من أركان سياسة “العرق” و “الإثنية” و “الأمة” وغيرها من “الهويات” المفترضة. وعلى محلّلي هذا النوع من السياسة أن يسعوا إلى تفسير عملية التشيئ هذه. ويجب أن نسعى إلى شرح العمليات والآليات التي من خلالها يمكن بلورة في بعض الأحيان ما أطلق عليه “السرد السياسي المتخيل” “للأمة”—أو”المجموعة العرقية” أو “العرق” أو غيرها من “الهويات” المفترضة والتي تتبلور في لحظات معينة كواقع عظيم ومقنع[23]. وﻟﻛن ﻳﻧﺑﻐﻲ أن ﻧﺗﺟﻧب إﻋﺎدة إﻧﺗﺎج أو ﺗﻌزﻳز ﻣﺛﻝ ﻫذا التشييء اللامقصود الذي ينجرّ عن تبني من دون تمحيص ﻓﺋﺎت اﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ ﻛﻔﺋﺎت للتحليل.

إنّ مجرد استخدام المصطلح باعتباره صنفا من الممارسات، بالتأكيد، لا يجرّده من كونه صنفا من أصناف التحليل[24]. وإذا كان الأمر كذلك، فستكون مفردات التحليل الاجتماعي أكثر فقرا، وأكثر اصطناعا مما هي عليه، فلا تكمن الإشكالية في مصطلح معين، ولكن في كيفيّة استخدامه. لكن تكمن الإشكالية كما قال لويك فاكان بخصوص “العرق” في “الخلط العشوائي بين الاجتماعي و السوسيولوجي…[أو] بين الفهم الشعبي والتحليلي”[25]. وتتمثّل المشكلة في أنّ “الأمة” و”العرق” و”الهوية”غالبا ما تُستخدم بشكل تحليلي بدرجة متفاوتة كما يتم استخدامها في الممارسة، بطريقة تشييئية ضمنية أو صريحة، وعلى نحو يتضمن أو يؤكد أنّ “الأمم” و”الأعراق” و”الهويات” “موجودة” وأنّ الناس بالفعل يملكون “الجنسية” و”العرق” و”الهوية”.

قد يتمّ الاعتراض على هذه الفكرة بكونها تتجاهل الجهود الأخيرة في تفادي إعادة تعريف “الهوية” بالتنظير على أنّ “الهويات” متعددة ومجزأة ومرنة[26]. فقد تم بالفعل انتقاد “الجوهرانية” بشدة، وتصاحب الآن المبادرات البنائية معظم المناقشات الدائرة حول “الهوية”[27]. ومع ذلك نجد في الغالب خليطًا مضطربًا من اللغة البنائية والحجج الجوهرانية[28]. ولا يجب أن يعدّ هذا مسألة ارتباك فكري، بل  يعكس ازدواجية العديد من الأكاديميين الهوويين كمحللين وأبطال سياسات الهويّة في ذات الوقت. ويعكس هذا أيضا التوتر بين اللغة البنائية التي تقتضيها اللياقة الأكاديمية والرسالة الجوهرانية المطلوبة إذا أريد أن تكون جاذبية الهوية فعالة في الممارسة[29]. ولا يوجد الحل أيضا في بنائية أكثر اتّساقا: لأنه ليس من الواضح لماذا يتم تصوّر ما يوصف عادة بالمتعدد والمتجزئ والمرن “كهويّة” على الإطلاق.

استخدامات “الهوية”

ماذا يعني المختصون في العلوم الاجتماعية عندما يتحدثون عن “الهوية”؟[30] وما الوظيفة المفاهيمية والتفسيرية الذي يقوم بها المصطلح؟ يعتمد كلّ هذا على سياق استخدام المفهوم والتقاليد النظرية التي ينبع منها الاستخدام قيد النظر.  إنّ المصطلح—كمصطلح تحليلي بالفعل ميئوس منه—غامض. لكن باستطاعة المرء تحديد عدد من الاستخدامات الرئيسية:

  1. فهم الهوية على أساس الفعل الاجتماعي أو السياسي:غالباً ما تتعارض “الهويّة” مع “المصلحة”، عندما تُفهم على أنّها ركيزة أو قاعدة الحركة الاجتماعية أو السياسية[31]، من أجل إبراز و وضع تصوّر للوسائط غير الفعالة للحركة الاجتماعية أو السياسية. ويتم استعمالها، مع التشديد على المنحى التحليلي المختلف بعض الشيء، للتأكيد على الفعل—فرديا كان أو جماعيا—الذي يمكن أن يكون محكوما بمنطلقات الفهم الذاتي الخاصة عوضا عن المصلحة الذاتية الكونية (المزعومة)[32]. ويعتبر هذا الاستخدام العام للمصطلح؛ ولكن كثيرا ما يُستخدم في استعمالات أخرى. ويتضمّن ثلاث تباينات مترابطة ولكن مختلفة في سبل تحديد مفهوم للفعل وتفسيره. فأمّا التباين الأول نجده ﺑﻴﻦ الفهم للذات و المصلحة الذاتية[33] (في مفهومها الضيّق)، واﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﻴﻦ الخصوصيّة واﻟكونية (اﻟمزعومة)، وأمّا الثالث فهو بين طريقتين لتفسير الموقع الاجتماعي. تفهم عديد مسارات التنظير الهووي (وليس كلّها) العمل الاجتماعي والسياسي على أنّه يتشكّل حسب الموقع في الفضاء الاجتماعي[34]. وتتفق كذلك حول هذا الشأن مع العديد من (وليس كل) مسارات التنظير الأداتي والكوني. لكن “الموقع الاجتماعي” يعني شيئًا مختلفًا تمامًا في الحالتين. فبالنسبة للتنظير الهووي، فالفضاء الاجتماعي يعني الموضع في فضاء متعدد الأبعاد تُحدّده سمات فئوية خاصة (مثل العرق، الإثنية، الجندر، الميل الجنسي). وﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻟﺗﻧظﯾر العملي، فإنّه ﯾﻌﻧﻲ اﻟموﺿﻊ ﻓﻲﺑﻧﯾﺔ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ تفهم بشكل كوني (مثل المركز ﻓﻲ اﻟﺳوق، أو اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ، أو طرﯾﻘﺔ اﻹﻧﺗﺎج[35]).
  2. فهم الهوية كظاهرة جمعية بالتحديد:تدلّ “الھوﯾﺔ”هنا على تماثل أساسي و استتباعي بين أطراف مجموعة أو فئة ما. ويمكن فهم ذلك بشكل موضوعي (كتماثل في “حدّ ذاته”) أو بشكل ذاتي (كتماثل ذي تمرس أو شعور أو إدراك). ومن المتوقع أن يتجلى هذا التشابه في التضامن، وفي التصرفات المشتركة أو في الوعي، أو في العمل الجماعي. ونجد هذا الاستعمال خاصة ﻓﻲ الأدبيّات اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺤركات الاجتماعية[36] و باﻟجندر[37] وبالعرق وبالإثنية وبالقوميّة[38]. وبهذا الاستخدام، غالبا ما يكون الحدّ الفاصل ﺑﻴﻦ “اﻟﻬﻮﻳﺔ” كفئة تحليل وكفئة ممارسة غير واضح.
  3. فهم الهوية كنواة أساسية “للذاتية” (فردية أو جماعية) أو شرط أساسي للكيان الاجتماعي: يتم التذرّع “بالهويّة” للإشارة إلى شيء يزعم أنه عميق أو أوّلي أو إلزامي أو أساسي. ويتميز هذا الأمر عن جوانب أو سمات الذات السطحيّة، العرضيّة، العابرة أو المحتملة، ويُفهم على أنه شيء يجب تقييمه، وإنماؤه، ودعمه، والاعتراف به، والحفاظ عليه[39]. ويكون هذا الاستخدام سمة لبعض مسارات الأدبيات السيكولوجية (أو علم النفس)، خاصةً المتأثرة منها بإيريكسون[40]،على الرغم من أنه يتجلّى أيضًا في الأدبيات المتعلقة بالعرق والإثنية والقومية. وهنا أيضا، يتم الجمع بين الاستخدامات العملية والتحليلية “للهوية”.
  4. فهم الهوية كنتاج فعل اجتماعي أو سياسي، حيث يتمّ استدعاء “بالهويّة” لإبراز التطور الإجرائي والتفاعلي لفهم الذاتي الجماعي والتضامن أو “حالة الجماعة” (groupness) التي يمكن أن تجعل العمل الجماعي ممكنًا. وفي هذا الاستخدام، المتواجد في بعض أدبيات “الحركة الاجتماعيّة الجديدة”، تفهم الهويّة على أنّها نتاج متغيّر للفعل الاجتماعي والسياسي و ركيزة أو أساس لنوع أخر من الفعل[41].
  5. فهم الهوية كنتاج زائف للخطابات المتعدّدة والمتنافسة: يتم استدعاء “الهويّة” لتسليط الضوء على طبيعة “الذاتية” العصريّة المضطربة والمتعدّدة والمتقلّبة والمجزأة. ونجد هذا النوع من الاستخدام في الأدبيات المتأثرة بفوكو وما بعد البنيويّة و ما بعد الحداثة[42].  وبشكل مختلف نوعا ما، من دون زخارف ما بعد البنيويّة، نجد الهويّة في بعض مجالات الأدبيات المتعلقة بالعرق—خصوصا في السرديّات “الموضعانية” (situationalist) أو “السياقيّة” (contextualist)حول العرق[43].

من الواضح أن مصطلح “الهوية” يؤدي مهامًا كثيرة. فهو يُستخدم لتسليط الضوء على طرق الفعل الغير الأداتية وللتركيز على فهم الذات بدلاً من المصلحة الذاتية ولتحديد التماثل بين الأشخاص أو التماثل عبر الزمن ولضبط الجوانب الأساسية الجوهرية المزعومة للذاتية ولنفي وجود مثل هذه الجوانب الأساسية والجوهرية ولإبراز التطور الإجرائي التفاعلي للتضامن ولفهم ذات الجمعي و كذلك للتأكيد على الصفة المجزأة للتجربة المعاصرة “للذات”، وهي ذا تغير مستقر مرمّمة بأجزاء من الخطاب، “تُفعّل” بشكل عرضيّ في سياقات مختلفة.

لا تعدّ هذه الاستخدامات غير متجانسة فحسب، بل تُشير إلى اتجاهات مختلفة بشكل كبير. مما لا شك فيه، أنّ هناك أوجه تقارب بين بعضهم البعض، لاسيّما بين الاستخدام الثاني والثالث، وبين الرابع والخامس. ويتسم الاستخدام الأول بما يكفي من العمومية ليكون متوافقًا مع جميع الآخرين. ولكن توجد أيضا توتّرات قوية. وأمّا الاستخدام الثاني والثالث في تسليط الضوء على التماثل الأساسي—وهو تماثل بين الأشخاص وتماثل عبر الزّمن—في حين أن كلا الاستخدامين الرابع والخامس يرفضان مفاهيم التماثل الأساسي أو الإلزامي.

تحمل “الهوية” إذن عبئا نظريا متعدد القيم والمعاني وحتّى متناقضا. فهل نحن بحاجة حقّا إلى هذا المصطلح المثقّل بالأعباء وشديد الغموض؟ تُشير الأهميّة الساحقة للرأي الأكاديمي إلى أننا في حاجة له[44]. حتى إنّ أكثر المنّظرين تمرّسا، مع أنّهم يسلّمون بطبيعة “الهوية” المستعصية والملتبسة، جادلوا بأنه لا يمكن الاستغناء عنها. وعليه، لم تسع المناقشات الحاسمة حول “الهوية” إلى التخلي عنها، وإنما سعت لإنقاذ المصطلح من خلال إعادة صياغته حتّى تجعله في مأمن من بعض الاعتراضات، خاصة من تهمة “الجوهرانية” الرهيبة. لذا يصف ستيوارت هول الهوية بأنّها ‘الفكرة التي لا يمكن التفكير فيها بالطريقة القديمة، والتي من دونها لا يمكن التفكير في بعض الأسئلة الأساسية على الإطلاق[45]“. تظّل ماهية هذه الأسئلة الأساسيّة، ولماذا لا يمكن معالجتها من الدون التطرق إلى “الهوية”، غامضة في مناقشة هول المركبة والمبهمة[46]. يحاكي تعليق هول صياغة سابقة لكلود ليفي ستروس، واصفا الهوية بأنّها “نوع من المركز الافتراضي (virtual center) الذي يجب أن نشير إليه لشرح أشياء معينة،ولكن دون أن يكون له مطلقا وجود حقيقي”[47]. ومع ذلك، يُؤكّد لورنس غروسبورغ مرارا على القارئ، وهو الذي يشعر بالقلق إزاء الانشغال الضيّق للدراسات الثقافية “بنظرية الهوية وسياستها”، أنه “لا يقصد نفي مفهوم الهوية أو أهميته السياسية في صراعات معينة” وأنّ “مشروعه لا يتمثّل في الهروب من خطاب الهوية، بل في إعادة نقله وإعادة صياغته”[48]. ويقرّ ألبرتو ميلوتشي، وهو أحد الروّاد الداعمين لتحليلات الحركات الاجتماعية المعتمدة على الهوية، بأن “كلمة الهويّة تقترن دلاليا بفكرة الديمومة، وربما لهذا السبب، فإنها غير مناسبة للتحليل الإجرائي الذي أتجادل فيه”[49]. وإن كانت مناسبة أو غير مناسبة، فانّ “الهويّة “لا تزال تحتلّ مكانة مهمّة في كتابات ميلوتشي.

نحن لسنا مقتنعين بأن مصطلح “الهويّة” لا يمكن الاستغناء عنه. سنُفصّلُ أدناه بعض التعابير التحليلية البديلة التي يمكن أن تقوم بالعمل الضروري من دون اللّبس المصاحب لها. وحسبُنا القول في الوقت الراهن أنه إذا أراد المرء أن يجادل بأنّ منطلقات الفهم الذاتي الخاصة تشكل الفعل الاجتماعي والسياسي بطريقة غير أداتية، فبإمكانه ببساطة قول ذلك. وإذا أراد المرء تتبع العملية التي من خلالها يتقاسم الأشخاص بعض الصفات الفئوية ليتشاركوا في تعريفات محنهم وتصوّرات اهتمامهم واستعدادهم للانخراط في الفعل الجمعي، فمن الأفضل القيام بذلك بطريقة تبرز العلاقة العرضيّة والمتغيرة بين مجرد فئات ومجموعات متضامنة ومحدودة. وإذا أراد المرء أن يفحص المعاني والأهمية التي يعطيها الناس لتراكيب مثل “العرق” و”الإثنية” و”الجنسية”، فإنه يتعين على المرء سلفا أن يتخلّل التعقيدات المفهومية، وليس من الواضح ما الذي يمكن أن يجنيه المرء بتجميعها تحت عنوان الهويّة الذي يسطّح المعنى. وإذا أراد المرء أن ينقل المعنى الحداثي للذات على أنّها مبنية و قابلة لإعادة البناء بشكل مستمر من مجموعة متنوعة من الخطابات المتنافسة—لكنّها  تظلّ هشة ومتقلبة ومجزأة—فليس من الواضح لماذا تجسّد كلمة الهوية المعنى الذي يتم نقله.

المعاني “الصلبة” و”والرخوة” “للهويّة”

اقترحنا منذ البداية أن “الهويّة” تميل إلى أن تعني الكثير أو القليل. ويمكن الآن توضيح هذه النقطة. لم يكشف جردنا لاستخدامات “الهوية” عن عدم التجانس الكبير فحسب، بل أيضًا عن تعارض شديد بين المواقف التي تبرز معنى التماثل الأساسي والإلزامي و المواقف التي ترفض صراحة مفاهيم التماثل. فيمكن تصنيف المواقف الأولى على أنّها مفاهيم ذات معنى صلب والثانية بكونها مفاهيم ذات معنى رخو.

تحافظ المفاهيم الصلبة “للهويّة” على معنى المصطلح العام–في التركيز على التماثل عبر الزمن أو بين الأشخاص.  وتتفق بشكل جيد مع الطريقة التي يُستخدم بها هذا المصطلح في معظم أشكال سياسة الهوية. ولكن لأنها بالخصوص تتّخذ من الأهداف التحليلية صنفا من التجربة اليومية والممارسة السياسية،فإنها تحتوي على مجموعة من الافتراضات العويصة المحفوفة بالمشاكل:

 1. الهوية هي شيء يملكه كل الناس، أو يجب عليهم ملكه، أو البحث عنه.

2. الهوية هي شيء تملكه المجموعات (على الأقل مجموعات من نوع محدّد—عرقية أو إثنية أو قومية على سبيل المثال)، أو يجب أنتملكها.

 3. الهوية هي شيء يمكن أن يمتلكه الناس (والمجموعات) دون إدراك ذلك. من هذا المنطلق، تعدّ الهوية أمرا ينبغي اكتشافه، وشيئا يمكن للمرء أن يخطئ فيه. ولهذا فإن مفهوم الهويّة القوي يكرر العلم المعرفي الماركسي حول الطبقية.

 4. تحتوي مفاهيم الهوية الجماعية الصلبة على مفاهيم صلبة حول ترابط المجموعة وتجانسها. وتنطوي على درﺟﺎت ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ حالة الجماعة وعلى “هوﻳّﺔ” أو تشابه  بين أﻋﻀﺎء الجماعة، وعلى تمييز حاد بين أعضاء الجماعة وﻏﻴﺮ اﻷﻋﻀﺎء، وعلى ﺣدّ فاصل ﺑﻴﻦ اﻟﺪاﺧﻞ واﻟﺨﺎرج[50].

وﻧﻈﺮا لكثرة النقد القويّ من جهات عديدة للتصورات الموضوعية ﻟﻠﻤﺠﻤﻮﻋﺎت واﻟتصورات الماهوية للهويّة، قد يعتقد المرء أننا نرسم “رجل القش” هنا. وعلى الرغم من ذلك، تستمر مفاهيم “الهوية” الصلبة بالفعل في إثراء مسارات مهمة في الأدبيات حول الجندر، والعرق، والإثنية، والقومية[51].

وخلافا لذلك، تقطع المفاهيم الرخوة “للهوية” مع معنى المصطلح اليومي. ولقد تمّ تفضيل هذه المفاهيم الرخوة في المناقشات النظرية لـ “الهوية” في السنوات الأخيرة، باعتبار أنّ المنظرين أضحوا مدركين وغير مرتاحين تدريجيّا للتأثيرات الصلبة للمعاني اليومية “للهوية”. ومع ذلك، فإن هذا “الحس العام” النظري الجديد يعاني من مشاكل خاصة به. سنفصّل ثلاثة منهم.

فأمّا الأول وهو ما نسميه “بالبنائية النمطية”. تُغلّفُ المفاهيم الرخوة بشكل روتيني بصفات تؤكد على أن الهوية متعددة، وغير مستقرة، ومتقلبة، ومتجزئة ،وعرضية ،ومبنية ،ومتفاوض عليها، إلى آخره. لقد أصبحت مؤخّرا هذه الصفات مألوفة جدّا—وفي الواقع ملزمة—حتّى صار المرء يقرأها (ويكتبها) بشكل تلقائي تقريباً. وإنّها تجازف بأن تصبح مجرد بديل وإيماءات تشير إلى موقف ما بدلاً من كلمات تدل على معنى ما.

ثانيا، ليس من الواضح لماذا تعدّ المفاهيم الرخوة لـ “الهوية” مفاهيمًا للهوية. يوحي الحسّ اليومي”للهوية” على الأقل ببعض التماثل الذاتي الثابت عبر الزمن، وببعض الاستمرارية والتطابق، وتبقى ثابتة رغم تغير أمور أخرى. فما الفائدة من استخدام مصطلح “الهويّة” إذا تمّ التبرؤ بشكل صريح من معناه الأساسي؟

وأمّا ثالثا والأهم من ذلك، قد تكون المفاهيم الرخوة للهوية أضعف من أن تضطلع بعمل نظري مفيد. ففي قلقهم إزاء تطهير المصطلح من دلالاته النظرية “الصلبة” سيئة السمعة، وفي إصرارهم على أن الهويات متعددة، وطيّعة، ومرنة إلى أخره، فإن الهوويين المتوجهين نحو المعنى الرخوي تركوننا  مع مصطلح شديد المرونة بحيث لا يتسنى له تأدية أيُّ عمل تحليلي جاد.

ونحن لا ندعي هنا أن المعاني الرخوة أو الصلبة مجتمعة التي تم تفصيلها سلفا تستنفد كلّ الدلالات المحتملة “للهويّة” واستخداماتها. كما أننا لا ننكر على المنظرين البنائيين المتمرسين قيامهم بعمل مثير وهامّ باستخدام التصوّرات الرخوة للهويّة. ولكننا نجادل بأن ما هو مهم ومثير في هذا العمل لا يقتصر في غالب الأحيان على استخدام “الهوية” كصنف تحليلي. لننظر مثلا إلى الأمثلة الثلاثة التالية.

تقترح مارغريت سومرز، التي انتقدت المناقشات العلمية حول الهوية لتركيزها على القواسم المشتركة بدلاً من التركيز على الترابط العلائقي المتغير عبر التاريخ، “إعادة صياغة دراسة تكوين الهوية من خلال مفهوم السرد”، و”إدراج الأبعاد المزعزعة الواضحة من مثل الزمان والمكان و العلائقية في مفهوم الهوية الأساسي”. تجعل سومرز من أهميّة السرد في الحياة الاجتماعية والتحليل الاجتماعي ضرورة ملحة، وتجادل بشكل مقنع حول وضع السرديات الاجتماعية في سياقات علائقية تاريخية محددة. وتُركز على البعد الأنطولوجي للسرديات، وعلى الطريقة التي لا تمثل بها السرديات فحسب، وإنما أيضا تشكل الفاعل الاجتماعي نفسه والعالم الاجتماعي الذي يتصرفون فيه. والذي لا يزال غير واضح في حديثها هو لماذا—وبأي معنى—يتمّ تشكيل الهويات في السرديات و المتمثلة في أطر علائقية. وبالفعل فإنّ الحياة الاجتماعية “قصة”. ولكن ليس من الواضح لماذا يجب أن تكون هذه “الطبيعة القصصية” مرتبطًة بشكل بديهي بالهوية. يروي الناس دائما و في كل مكان قصصًا عن أنفسهم والآخرين، ويحددون أنفسهم في ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺺ اﻟﻤﺘﺎﺣﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺎً. وﻟﻜﻦ بأيّ معنى “يزوّد اﻟﻤﻮﻗﻊ السردي الجهات الفاعلة بالهويات مهما كانت متعددة، وغامضة، وسريعة الزوال، أو متضاربة؟ “ما الذي يضيفه هذا المفهوم السهل والمرن للهوية إلى الحجة السردية؟ يتحقق العمل التحليلي الرئيسي في مقال سومرز من خلال مفهوم السردية، مدعوما بهذا الظرف العلائقي. غير أن العمل الذي قام به مفهوم الهوية يبدو أقل وضوحًا بكثير[52].

في تقديم كتابه المواطنة والهويّة والتاريخ الاجتماعي، يصف تشارلز تيلي الهوية بأنها مفهوم “غير واضح ولكنه ضروري”، ويعرّفها بأنها “تجربة ممثل فئة، أو دور أو شبكة أو جماعة أو منظمة، تقترن بالتمثيل في المجال العام لتلك التجربة؛ وغالبًا ما يتخذ التمثيل العام شكل قصة أو سردا مشتركا”. ولكن ماهي العلاقة بين هذا التعريف الشامل المفتوح والعمل الذي يريد تيلي أن يضطلع به المفهوم؟ ما الذي يتم اكتسابه، في الجانب التحليلي، عند تصنيف أي تجربة أو تمثيل عام لأي رابط أو دور أو شبكة أو ما إلى ذلك كهوية؟ عندما يتعلق الأمر بالأمثلة، يقوم تيلي بجمع المتهمين المألوفين: العرق، الجندر، الطبقة، الوظيفة، الانتماء الديني، والأصل القومي. لكن ليس من الواضح ما نوع التأثير التحليلي على هذه الظواهر الذي يمكن تقديمه من خلال مفهوم الهوية المرن والواسع الذي يقترحه. يشير تسليط الضوء على “الهوية” في عنوان المجلد إلى الانفتاح على الانعطافة الثقافية في التاريخ الاجتماعي وعلم الاجتماع التاريخي للمواطنة. وعلاوة على ذلك، فليس من الواضح ما العمل الذي يقوم به المفهوم. ويواجه هنا تيلي، المعروف بتشكيله لمفاهيم مركّزة بشدّة و”جادة”، الصعوبة التي تواجه معظم علماء الاجتماع الذين يكتبون عن الهوية اليوم: ألا وهي استحداث مفهوم “رخو” ومرن بما فيه الكفاية لتلبية متطلبات النظرية الاجتماعية العلائقية والبنائية، ومع ذلك يكون قويا بما فيه الكفاية للتحكم بالظواهر التي تستدعي  التفسير، والذي يكون بعضها “صلبا” جدا[53].

يوظّفُ كريغ كلهون الحركة الطلابية الصينية عام 1989 كوسيلة لإثارة مناقشة دقيقة ومفيدة حول مفاهيم الهوية والمصلحة والعمل الجماعي. ويشرح كالهون استعداد الطلاّب “للمخاطرة بالموت عمدا” في ميدان تيانانمين في ليلة 3 يونيو من سنة 1989 بخصوص الهوية المرتبطة بالشرف أو الإحساس بالذات، والتي شُكّلت في سياق الحركة نفسها، والتي أصبح الطلاب ملتزمين بها أكثر فأكثر في النهاية . إن روايته عن التغيرات التي طرأت على شعور الطلاب بذواتهم خلال أسابيع الاحتجاج—كما تمّ وصفهم، من خلال ديناميكيات نضالهم، من فهم ذاتي موضعي قائم على الطبقية كطلاب ومثقفين إلى تماه أوسع ومشحون بالعاطفة مع مُثُل قومية وحتى عالمية—تبدو مقنعة. ولكن هنا أيضا، يبدو أن العمل التحليلي الحاسم يقوم به مفهوم آخر غير الهوية—في هذه الحالة، يكون الشرف. يلاحظ كالهون أن الشرف “ضروري أكثر من المصالح”. ويكون مهمّا أكثر حتّى من الهوية في معناها القريب. يصنّف كالهون الشرف تحت عنوان الهوية، ويعرض حجته كحجة عامة حول “تكوين الهويّة وتغيرها”. ومع ذلك، لا تتعلق حجته الأساسية في هذا المقال، في الظاهر، بالهوية بشكل عام، بل بالطريقة التي يؤدي فيها الإحساس الغامر بالشرف، في أوضاع غير عادية، الناس إلى الاضطلاع بأعمال استثنائية، خشية أن يتزعزع إحساسهم الأساسي بالذات بشكل جذري[54].

و بهذا المعنى الصلب الاستثنائي، لا تمت الهوية—كإحساس بالذات يمكن أن يستدعي حتمًا عملا يهدّد المصلحة أو حتى الحياة—بصلة إلى الهوية في معناها الرخو. يؤكد كالهون نفسه على التنافر بين “الهوية العادية—والتصورات الذاتية والطريقة التي يوفق بها الناس المصالح في الحياة اليومية”، والشعور الحتمي المدفوع بالشرف، والذي بوسعه أن يتيح أو حتى يلزم الناس بأن يكونوا “شجعانًا إلى حد الحماقة الجلية”[55]. ويعرض كلهون توصيفًا دقيقا لهذا الأخير؛ ولكن لا تزال ماهية طبيعة العمل التحليلي الذي يحقّقه مفهوم الهويّة السابق والأعمّ غير واضحة.

يعمل كالهون في مجلده المحرّر حول النظرية الاجتماعية وسياسة الهوية، مع هذا الفهم الأعم للهوية. ويلاحظ أنّ “الشواغل المتعلقة بالهوية الفردية والجماعية” “متفشية”. من المؤكد أننا “لا نعرف أي شعب بدون أسماء، ولغات أو ثقافات لا تكون فيه بعض أوجه التمييز بين الذات والآخر، وبين نحنُ وهُم[56]“. ولكن من غير الواضح لماذا يستبطن هذا الرأي تفشي الهويّة في كل مكان، ما لم نميّع مفهوم”الهوية” إلى درجة الإشارة إلى جميع الممارسات التي تشمل التسمية وتمييز الذات عن الأخر. ويستمر كالهون—مثل سومرز وتيلي—في تقديم حجج مفيدة حول مجموعة من القضايا المتعلقة بمطالب القواسم المشتركة والفوارق في الحركات الاجتماعية المعاصرة. ومع أن هذه المطالب غالباً ما تكون مندرجة تحت لفظ “الهوية”، فانه ليس واضحا أن اعتماد هذا المصطلح لأغراض تحليلية سيكون ضروريا أو حتى مفيدا.

بعبارة أخرى

ماهي المصطلحات البديلة لـ”الهوية”، والتي يمكن أن تؤدي العمل النظري الذي يفترض بالهوية القيام به دون دلالاتها المربكة والمتناقضة؟ ونظراً لتنوع عمل “الهوية” واختلافه، سيكون من غير المجدي البحث عن بديل واحد، لأن مثل هذا المصطلح سيكون مثقلاً “كالهويّة” نفسها. ترمي إستراتيجيتنا بالأحرى إلى تفكيك التشابك الكثيف للمعاني التي تراكمت حول مصطلح “الهوية”، وتقسيم العمل إلى عدد من المصطلحات الأقل احتقانا. وسنفصّل ثلاث مجموعات من المصطلحات هنا.

التعريف والتصنيف

ﮐﻣﺻطﻟﺢ إجرائي وفعّال، ﻣﺷﺗق ﻣن ﻓﻌل، لا يتضمن مصطلح”اﻟتعريف” (identification) دﻻﻻت مصطلح “الهويّة”[57] المشيّئ. وﯾدﻋوﻧﺎ إﻟﯽ ﺗوضيح اﻟﻌواﻣل اﻟﺗﻲ تقوم بالتعريف. ولا يفترض سلفا أن مثل هذا التعريف (حتى من قبل فاعلين كالدولة) سيؤدي بالضرورة إلى التشابه الداخلي، والتميز، والتجمّع المحدود التي قد يسعى الرواد من الساسة إلى تحقيقهم. إنّ التعريف—تعريف الذات أو الأخر—جزء لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية، خلافا “للهوية” في معناها الصلب.

قد يُطلب من المرء أن يعرّف نفسه—أن يصف نفسه، وأن يحدد مكانه أمام الآخرين المعروفين، وأن يضع نفسه في سرد ما​​، وأن يصنّف نفسه ضمن فئة ما—فيعدد من السياقات المختلفة. في الأوضاع الحديثة، التي تضاعف التفاعلات مع الآخرين غير المعروفين على الصعيد الشخصي، تكون مثل هذه المناسبات لتحديد الهوية وفيرة بشكل خاص. وتنطوي على وضعيات لا تحصى ولا تعد من الحياة اليومية وكذلك على سياقات رسمية وشكليّة أكثر. فكيف يعرف المرء عن نفسه—وكيف يحدده الآخرون— قد يختلف اختلافاً كبيراً من سياق إلى أخر؛إن تعريف الذات والأخر يرتبط أساسا بالوضع والسياق.

وتتمثل إحدى التمييزيات الأساسية في الفرق بين سبل التعريف العلائقية والفئوية. يمكن للمرء أن يعرّف نفسه (أو شخصًا آخر) حسب مركزه في شبكة علائقية ما (شبكة قرابة،على سبيل المثال، أو صداقة، أو علاقات الزبون والعميل، أو علاقات المعلم والطالب). ومن جهة أخرى،يمكن للمرء أن يعرّف نفسه (أو أي شخص آخر) عن طريق الانتساب إلى فئة من الأشخاص الذين يتقاسمون بعض الصفات الفئوية (مثل العرق، والإثنية ،واللغة ،والجنسية، والمواطنة ،والجندر، والتوجه الجنسي، وما إلى ذلك). وقد جادل كريغ كالهون بأنه بينما تظل سبل التعريف مهمة في العديد من السياقات حتى يومنا هذا، يكتسب التمييز القاطع أهمية متزايدة في الأوساط الحديثة[58].

وهنا كتمييز أساسي آخر بين التعريف الذاتي وتعريف الذات وبين تصنيفها من قبل الآخرين، يحدث التعريف الذاتي في التفاعل الجدلي مع التعريف الخارجي[59]، وينبغي ألاّ يتلاقى الاثنان[60]. أمّا التعريف الخارجي فهو في حد ذاته عملية متنوعة. يعرّف الناس الآخرين ويصنفوهم، في انسياب الحياة الاجتماعية، تمامًا كما يعرّفون أنفسهم ويحددونها. ولكن يوجد نوع رئيسي آخر من التعريف الخارجي لا يوجد له نظير في مجال التعريف الذاتي للهوية: ويكمن في أنظمة التصنيف الرسمية والمقننة والموضوعية التي طورتها مؤسسات قوية وملزمة.

كانت الدولة الحديثة واحدة من أهمّ عوامل التعريف والتصنيف بالمعنى الضيق. في الامتدادات الثقافية المتعددة لعلم الاجتماع الفيبيري للدولة، ولا سيّما تلك التي تأثرت ببورديو وفوكو، تحتكر الدولة، أو تسعى إلى احتكار، ليس فقط القوة المادية المشروعة بل كذلك القوة الرمزية المشروعة، كما يضعها بورديو. وهذا يشمل القدرة على تسمية، وتعريف، وتصنيف، وتوضيح الأشياء والأشخاص، وهناك أدبيات سيسيولوجية وتاريخية مزدهرة في هذا الصدد. نظر بعض الباحثين في “التعريف” في معناه الحرفي: كإعطاء وسوم محدودة للفرد عن طريق جواز السفر، وبصمات الأصابع، والصور الفوتوغرافية، والتوقيع، وحفظ مثل هذه الوثائق التعريفية في مستودعات الدولة. لم تعد الأسئلة من قبيل متى، ولماذا، و ماهي القيود التي تم تطوير فيها هذه الأنساق أسئلة بسيطة[61]. ويؤكد باحثون آخرون على جهود الدولة الحديثة في إدراج أفرادها في شبكة تصنيفية: غاية تعريف الأشخاص وتصنيفهم في ما يتعلق بالجندر، والدين، وامتلاك الممتلكات، والعرق، ومحو الأمية ،والإجرام، أو سلامة العقل. وتُرتّب التعدادات السكانية التي توزّعُ الناس وفق الفئات والمؤسسات—من المدارس إلى السجون. فبالنسبة لأنصار فوكو بالتحديد، فإن هذه الأنماط الفردية والتجميعية للتعريف والتصنيف هي في صلب ما يعرف “الحاكمية” (Governmentality) في الدولة الحديثة[62].

وبالتالي فإن الدولة هي “معرّف” ذا نفوذ، ليس لأنها يمكن أن تخلق “هويات” بالمعنى الصلب—فهي لا تستطيع القيام بذلك على نحو عام—ولكن لأنها تمتلك الموارد المادية والرمزية لفرض الفئات، ومخططات التصنيف، وأنماط التعداد الاجتماعي ومعايير المحاسبة التي يتعيّن ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻴﺮوﻗﺮاﻃﻴﻴﻦ واﻟﻘﻀﺎة واﻟﻤﻌﻠّﻤﻴﻦ واﻷﻃﺒّﺎء أن يشتغلوا بها وﻋﻠﻰ اﻷﻃﺮاف ﻏﻴﺮ اﻟﺤﻜﻮﻣﻴّﺔ أن يرجعوا إليها[63]. وﻟﻜﻦ اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﻴﺴﺖ “اﻟﻤُﻌﺮّف” اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي ﻳﻬﻢ. وكما بيّن تشارلز تيلي، يؤدّي التصنيف “عملا تنظيميا” بالغ الأهميّة في جميع أنواع الأوضاع الاجتماعية، بما في ذلك العائلات والشركات والمدارس والحركات الاجتماعية والبيروقراطيات بجميع أنواعها. ولا تحتكر حتّى أقوى دولة إنتاج وتوزيع التعريفات والفئات؛ ويمكن الطعن في الأشياء التي تنتجها[64]. إن الأدبيات المتعلقة بالحركات الاجتماعية—”القديمة” وكذلك “الجديدة”—غنية بالأدلة المتعلقة بكيفية تحدي قادة الحركات للتعريفات الرسمية والدفع بتعريفات بديلة[65]. وتبرز جهود القادة لإقناع أعضاء الفئات المعنية المفترضة برؤية أنفسهم—لعدّة أسباب—”كمتطابقين” مع بعضهم البعض وبالتماهي العاطفي والمعرفي مع بعضهم البعض[66].

تأكّد أدبيات الحركة الاجتماعية على العمليات الخطابية والتفاعلية التي من خلالها تتطوّر أواصر التضامن الجماعية ومنطلقات الفهم الذاتي، غير أننا نتحفظ على الانتقال من مناقشة عملية “التعريف”—والجهود الرامية إلى بناء فهم ذاتي جماعي—إلى افتراض “الهوية” كنتيجة ضرورية له. يمكن للمرء، من خلال النظر في طرق التعريف الرسمية والمؤسسية وكذلك الأساليب البديلة المنطوية في ممارسات الحياة اليومية ومشاريع الحركات الاجتماعية، أن يؤكد على العمل الجاد والصراعات الطويلة التي تخص التعريف فضلا عن نتائج هذه الصراعات غير المؤكّدة. ومع ذلك،إذا افترضنا دائمًا أن النتيجة هي “الهوية”—على الرغم من كونها مؤقتة ومجزأة ومتعددة ومتنازع عليها ومائعة—يفقد المرء قدرته على إجراء تمييزات أساسية.

يستدعي “التعريف”، كما لاحظنا أعلاه، تحديد الفاعلين الذي توكل إليهم مهمة التعريف. غير أنّ التعريف لا يقتضي “معّرفا” محدودا. ويمكن أن يكون منتشرًا ومؤثرًا دون أن يتم ذلك عن طريق أشخاص أو مؤسسات محدودين ومستقلّين. يمكن أن يتحقّق التعريف بشكل مجهول تقريبا من خلال الخطابات أو السرديات العامة[67]. وعلى الرغم من أن التحليل الدقيق لمثل هذه الخطابات أو السرديات قد يركز بشكل كبير على حججها الفرعية في بعض الأقوال الخطابية أو السردية الخاصّة، فإن قوتها قد لا تعتمد على أي حجة فرعية، بل بالأحرى على تغلغل طرق تفكيرنا المجهولة و غير الملحوظة وحديثنا وفهمنا للعالم الاجتماعي. يوجد معنى آخر “للتعريف”، وقد تم التلميح إليه أعلاه بشكل مقتضب، وهو مستقل إلى حد كبير عن المعاني المعرفية التحديديّة التصنيفية التي نوقشت حتى الآن. وهو التعريف السيكوديناميكي أو النفسي الديناميكي، المشتق في الأصل من فرويد[68]. في حين أن المعاني التصنيفية تنطوي على تعريف الذات (أو الشخص الآخر) كشخص يندرج ضمن وصف معيّن أو ينتمي إلى فئة معينة، فإن المعنى النفسي الديناميكي يتضمّن تعريف الذات عاطفياً مع شخص آخر، فئة أو جماعة ما. وهنا مرة أخرى، يدعو “التعريف” إلى لفت الانتباه إلى العمليات المعقدة (وغالبا ما تكون ملتبسة)، بينما يشير مصطلح “الهوية”، الذي يعني شرطا أو ظرفًا أكثر من كونه عملية، إلى أنه توافق واضح جدّا بين الفرد والمجتمع.

الفهم الذاتي والموقع الاجتماعي

إنّ “التعريف” و “التصنيف” مصطلحان حيويّان وإجرائيان، مشتقان من أفعال، ويدعوان إلى التفكير في بعض عمليات التعريف والتصنيف المعينة التي يؤديها معرّفون ومصنّفون معيّنين. ولكننا نحتاج كذلك إلى أنواع أخرى من المصطلحات للقيام بالعمل المتنوع الذي تقوم به “الهوية”. لنتذكر أن أحد الاستخدامات الرئيسية “للهوية” هو فهم الفعل وتفسيره بطريقة غير أداتية وغير آلية. وبهذا المعنى، يقترح المصطلح الطًّرق التي يمكن بها التحكم في العمل الفردي والجماعي عن طريق الفهم الخاص للنفس والموقع الاجتماعي بدلاً من المصالح الكونية المفترضة والمحدودة بنيويًا. وعليه، فإن “فهم الذات” هو المصطلح الثاني الذي نقترحه كبديل “للهوية”. وهو مصطلح ترتيبي يشير إلى ما يمكن تسميته” بالذاتية الموضوعية”: أي إحساس المرء بمعرفة من يكون، وما الموقع الاجتماعي الذي ينحدر منه، وكيف سيتصرّف (مع اعتبار الإحساس الأول والثاني). وكمصطلح يتعلق بالسمات الكامنة، فإنه ينتمي إلى المجال الذي أسماه بورديو “بالحس العملي” (sens pratique)—وهو في ذات الوقت معرفي وعاطفي—الذي يحمله الأشخاص عن أنفسهم وعن عالمهم الاجتماعي[69] .

لا يوحي مصطلح “الفهم الذاتي”، ومن المهم أن نؤكّد، بفهم حديث أو غربي مميّز “للذات” ككيان أحاديّ متجانس ومحدود. إنّ إحساس المرء بمن يكون يتخذ أشكالا عديدة. وتحتوي العمليات الاجتماعية التي يفهم من خلالها الأشخاص أنفسهم ويحددّون أماكن وجودهم الاجتماعي في بعض الأحيان على أريكة التحليل النفسي، وفي أحيان أخرى على المشاركة في طقوس روحانية[70]. في بعض الأوضاع، قد يفهم الناس ويختبرون أنفسهم من حيث شبكة من التصنيفات المتقاطعة، وفي أوضاع أخرى،من حيث شبكة من العلاقات المتفاضلة حسب القرب المكاني وكثافة التواصل. وهنا تأتي أهميّة رؤية الذات والمكان الاجتماعي فيما يتعلق ببعضهما البعض وتبرز أهمية التأكيد على أن كل من الذات المحدودة والمجموعة المحدودة تكون محددة ثقافيًا بدلا من أن تكون أشكالا كونية.

لا يتضمن”فهم الذات”، مثله مثل مصطلح “التعريف”، ما يتضمنه مصطلح “الهوية”من دلالات مشيّئة. ومع ذلك، فهو لا يقتصر على حالات التقلّب وعدم الاستقرار. قد تكون مفاهيم الذات متغيرة عبر الزمن وبين الأشخاص ولكنها قد تكون مستقرة. دلاليّا، تعني “الهوية” التماثل عبر الزمن أو بين الأشخاص؛ ومن ثمّة ينبثق الحرج المتمثل في الاستمرار في الحديث عن “الهوية” بينما يتم نبذ معنى التماثل. وخلافا لذلك،لا يملك “الفهم الذاتي” أي علاقة دلالية مميّزة سواء مع التماثل أو الاختلاف.

يوجد مصطلحان وثيقا الصلة وهُما “التمثيل الذاتي” و”التعرّف الذاتي”. فبعد مناقشة “التعريف” أعلاه، نلاحظ هنا ببساطة أنه على الرغم من أن الفصل ليس واضحا، فقد تكون “منطلقات الفهم الذاتي” ضمنية. حتّى وإن تمّ تشكيلها، كما يحصل عادة، من خلال الخطابات السائدة، فيمكن أن توجد وتؤثر على الفعل، دون أن يتم التعبير عنها وإدراكها خطابيا. ومن ناحية أخرى، يوحي “التمثيل الذاتي” و”التعرّف الذاتي” على الأقل بدرجة معينة من التعبير الخطابي الصريح.

لا يستطيع “الفهم الذاتيّ”، بالطبع، القيام بكل العمل الذي تقوم به “الهوية”. ونُشيرُ هنا إلى ثلاثة حدود في هذا المصطلح. أولاً، إنه مصطلح ذاتي يحيل على الذّات. وهكذا، فإنه يحدد فهم المرء الخاص بشأن من يكون. وعلى الرغم من التصنيفات والتعريفات والتمثيلات الخارجية التي قد تكون حاسمة في تحديد كيفية اعتبار المرء ومعاملته من قبل الآخرين وفي تشكيل فهم الشخص لنفسه، فان هذا المصطلح لا يستطيع استيعاب فهم الآخرين لهذه الذات. وقد تطغى التصنيفات الخارجية القسرية على الفهومات الذاتية[71].

ثانياً، يبدو أن “فهم الذات” يضع الإدراك المعرفي في مقام الأولوية. وعليه، لا يبدو أنّ هذا المصطلح قادر على استيعاب—أو على الأقل إبراز—العمليات العاطفية أو الانفعالية التي توحي بها بعض استخدامات “الهوية”. ومع ذلك، فإن فهم الذات ليس معرفيا على الإطلاق؛ فدائما ما تشوبه العاطفة أو تشحنه. ويمكن للمصطلح بالتأكيد استيعاب هذا البعد العاطفي. ومع ذلك، لا يمكن الطعن في حقيقة أن الديناميكيات العاطفية يتم استيعابها بشكل أفضل من خلال مصطلح “التعريف” (بمعناها السيكوديناميكي).

أخيراً، وكمصطلح يؤكد على الذاتية المتموضعة، فهو لا يستوعب “فهم الذات” الموضوعي التي تطالب بها معاني الهوية الصلبة. تسمح مفاهيم الهويّة الصلبة والموضوعانية للمرء بالتمييز بين الهوية “الحقيقية” (وتكون عميقة وملزمة وموضوعية) والفهم الذاتي “المجرد” (ويكون سطحيا، متقلبا وذاتيا). إذا كانت الهوية شيء يمكن اكتشافه، وشيء يمكن للمرء أن يخطئ فيها، فإن آنية فهم المرء لذاته قد لا تتوافق مع هويته الإلزامية والكامنة. ومهما تكن هذه المفاهيم المتعلّقة بالعمق والثبات والموضوعية مفاهيم إشكال تحليلي، فإنها على الأقلّ تقدم سببا لاستخدام لغة الهوية بدلا من لغة فهم الذات.

لا توفّر المفاهيم الرخوة للهوية أي سبب من هذا القبيل. وهو جليّ في الأدبيات البنائية لماذا تكون المعاني الرخوة للهوية واهنة. ولكن من غير الواضح لماذا تكون تصوّرات للهويّة. وفي أدبيات هذا المجال، فإنّ محاميل الهويّة الرخوة—كالبنائية، والطبيعة الطارئة، وعدم الاستقرار، والتعددية والانسيابية— هي التي تم التأكيد عليها وتفصيلها. في حين أنّ ما بُنيت عليه—على الهويّة نفسها—يأخذ عادة كمسلّمات و نادرا ما يُفسّر. عندما يتمّ شرح الهويّة نفسها،غالباً ما تُقدّمُ على أنها شيء—إحساس المرء بمن يكون[72]، أي التصور الذاتي[73]—يمكن استيعابه بطريقة مباشرة من خلال “الفهم الذاتي”. يفتقر هذا المصطلح إلى الجاذبية والضجّة والادعاءات النظرية “للهوية”، ولكن يجب أن يعتبر هذا كميزة إيجابيةوليس كعبء.

القواسم المشتركة والترابط وحالة الجماعة

         تستحق الأشكال المعيّنة من الفهم الذاتي المشحون بالعاطفة والذي غالباً ما تُحدّدُهُ “الهوية” إلى شيء من التفصيل—خاصة في مناقشات العرق، والدين، والإثنيّة، والقومية، والجندر، والجنسانية، والحركات الاجتماعية، وغيرها من الظواهر المفترضة والمحتوية على هويات جمعية. وهو هذا الشعور بالانتماء المحمّل بالعاطفة تجاه جماعة مميزة ومحدودة، والذي يتضمّن تضامنا محسوسا أو وحدة مع الزملاء الأعضاء في الجماعة واختلافا ملموسا أو حتى كراهيّة توجّه نحو دخلاء معيّنين.

 تكمن المشكلة في أنّ “الهوية” تُستخدمُ لتعيين كل من الفهم الذاتي المعتمد على الانتماء الجمعي الإقصائي والمشحون بالعاطفة و الفهم الذاتي الأكثر انفتاحًا و مرونة وتنطوي على بعض الإحساس بالارتباط أو الانتساب أو القواسم المشتركة أو الترابط بأشخاص معيّنين، ولكنها تفتقر إلى الشعور الطاغي بالوحدة مع”الآخر”[74]. إنّ كل من إحساس الجماعة القوي وأشكال الفهم الذاتي بالانتماء غير المتصلب—وكذلك الأشكال الانتقالية بين هذين الطرفين—مهمّان، لكنهما يشكّلان التجربة الشخصية وحالة الفعل الاجتماعي والسياسي بطرق مختلفة إلى حدّ كبير.

بدلا من إثارة كل منطلقات الفهم الذاتي على أساس العرق، والدين، والإثنيّة، وما إلى ذلك في بوتقة التصور الكبير “للهوية”، سنستخدم لغة تحليلية أكثر تفصيلًا. يمكن أن تكون المصطلحات مثل القواسم المشتركة والترابط وحالة الجماعة موظّفة بشكل مفيد هنا بدلا من “الهوية” المستعملة لجميع الأغراض. وهذه المجموعة الثالثة من المصطلحات التي نقترحها: تدلّ “القواسم المشتركة” على تشارك بعض السمات المشتركة، وأمّا “الترابط” فيشمل الصلات العلائقية التي تربط الناس. فلا القواسم المشتركة ولا الترابط على حدى يولد “حالة الجماعة”—وهو شعور بالانتماء إلى جماعة مميزة ومحدودة. لكن بالفعل عندما يتجمّعان يمكنهما تحقيق”حالة الجماعة”. وقد كانت هذه الحجة التي طرحها تشارلز تيلي من وقت طويل، مستندا إلى فكرة هاريسون وايت “فئات الشبكة” (catnet)، وهي تعني مجموعة من الأشخاص الذين يشتركون في الصنف (category)، وفيها يتقاسمون بعض السمات المشتركة والشبكة (network)[75]. يقترح تيلي بأن حالة الجماعة هي منتج مشترك من”catness” و”netness“–أي القاسم المشترك بالصنف أو الفئة بالإضافة إلى الصلات العلائقية. ولكننا سنقترح تعديلان.

أولا، إن القاسم المشترك والصلات العلائقية في حاجة إلى عنصر ثالث ليكتملا، وهو ما سمّاه ماكس فيبر(zusammengehörigkeitsgefül)، أي الشعور بالانتماء للمجموعة. قد يعتمد هذا الشعور في جزء منه على درجات وأشكال القواسم المشتركة والترابط، ولكنه سيعتمد أيضًا على عوامل أخرى مثل أحداث معيّنة، وكيفية الترميز لها في السرديات العامة المقنعة، والأطر الخطابية السائدة وما إلى ذلك. ثانيًا، إن الترابط العلائقي أو ما يسميه تيلي “بالترابطية” (netness)، على أهميّته في تسهيل هذا النوع من العمل الجماعي الذي كان تيلي مهتما به، ليس ضروريا دائما “لحالة الجماعة”. قد يرتكز الإحساس القوي بحالة الجماعة على قواسم مشتركة قاطعة وشعور بالانتماء لكن مع ترابط ضئيل. وهذا هو الحال عادةً بالنسبة للمجموعات الكبيرة مثل “الأمم”: فعندما يتبلور الفهم الذاتي المنتشر كعضو في دولة معينة في إحساس قوي بالجماعة، فمن المرجح ألاّ يعتمد ذلك على الترابط العلائقي، بل على ترابط متخيّل بقوّة وملموس بشدّة[76].

ولكن لا تتمثّل النقطة في التحوّل من القواسم المشتركة إلى الترابط، كما اقترح بعض المناصرين لنظرية الشبكة، ومن الفئات إلى الشبكات ومن الصفات المشتركة للعلاقات الاجتماعية[77]. ولا تحتفي كذلك بالانسيابية والتهجين على حساب الانتماء والتضامن. والمفاد من اقتراح هذه المجموعة الأخيرة من المصطلحات هو بالأحرى تطوير لغة تحليلية تراعي الأشكال والدرجات المتعدّدة للقواسم المشتركة والترابط وكذلك الطرق المتنوعة التي بها يسند إليها الفاعلون (والتعابيرالثقافية، والسرديات العامة، والخطابات السائدة التي ينتجونها) معنى وأهمية لهم. وهذا سيمكننا من تمييز حالات الجماعة القوية والمترابطة بشدة من أشكال الترابط والانتساب الأضعف تنظيما وتقييدا.

ثلاث حالات: “الهوية” وبدائلها في السياق

بعد استعراض الوظيفة التي تقوم بها “الهوية” والإشارة إلى بعض حدود هذا المصطلح وخصومه واقتراح مجموعة من البدائل، نسعى الآن لتوضيح حجتنا—أي كل من المطالب المهمّة “للهوية” والاقتراحات البناءة المتعلقة بالتعابير البديلة—من خلال النظر في ثلاث حالات. وفي كل حالة، سنهتمّ بالتركيز الهووي على حالة الجماعة ذات الحدود الذي يحد المخيال السوسيولوجي والمخيال السياسي، في حين أن التعابير التحليلية البديلة يمكن أن تساعد على فتح الأفق لهذين المخيالين.

مثال من الأنثروبولوجيا المستفرقة: قبيلة “النوير”

عانت الدراسات الأفريقية من نسختها من التفكير الهووي وفي معظم المعالجات الصحفية التي ترى “الهوية القبلية” للأفارقة كسبب رئيسي للعنف ولفشل الدولة القومية. فلقد انزعج المستفرقون الأكاديميون من هذه الرؤية الاختزالية لأفريقيا منذ سبعينيات القرن العشرين على الأقل وانجذبوا لنسخة من البنائية، قبل أن تتسمى البنائية باسمها[78]. إن الحجة التي تقول بأنّ المجموعات الإثنية ليست بدائية وإنما هي عوامل تاريخية—بما في ذلك الاختلاف الثقافي المُشيّء من خلال تحديد التعريفات الاستعمارية المفروضة—أصبحت موضوعا رئيسيا في الدراسات الأفريقية. ومع ذلك، كان العلماء يميلون إلى التشديد على تكوين الحدود بدلا من عبور الحدود، وتكوين المجموعات بدلا من تطوير الشبكات[79]. وفي هذا السياق، من الجدير أن نعود إلى مثال من الإثنولوجيا الأفريقية: وهو كتاب النوير لإيفانز بريتشارد[80].

استنادا إلى البحوث في شمال شرق أفريقيا في الثلاثينات، يصف كتاب النوير طريقة علائقية للتعريف والفهم الذاتي والموقع الاجتماعي بصورة مميّزة، الذي يفسّر العالم الاجتماعي من حيث درجة الترابط ونوعه بين الناس بدلا من حيث الفئات والمجموعات والحدود.

الشكل 1: سلالة أبوية مجزئة؛ الخطوط تمثل النسب: شركاء الزواج المنحدرين من سلالة أخرى: أبناء البنات الذين ينتمون إلى نسب الزوج لم يُدرجوا؛ أبناء الأبناء الذين ينتمون إلى هذا النسب مدرجين.

يُعرّفُ الموقع الاجتماعي في الحالات الأولى من حيث السلالة، والتي تتألف من أحفاد الأسلاف الذين يُحسبون من خلال خط تقليدي اجتماعي: أي الانتساب الأبوي، عن طريق الذكور في حالة النوير، وعبر الإناث أو أكثر ندرة في أنظمة النسب المزدوج في مناطق أخرى من أفريقيا. ينتمي الأطفال إلى سلالة آبائهم. وبينما يتم اعتبار العلاقات مع أقرباء الأمّ، فإنّهم يشكّلون جزءاً من نظام النسب، كما يردُ مرسوما في الشكل 1.

كل شخص في هذا الرسم البياني مرتبط بالجميع، ولكن بطرق ودرجات مختلفة. قد يميل المرء إلى القول بأنّ المجموعة التي توجد في الدائرة “أ” والتي تشكّل هوية “أ”، تختلف عن الذين في الدائرة “ب”، أصحاب هوية “ب”. تكمن المشكلة مع مثل هذا التفسير بأنّ الحركة نفسها التي تميّز “أ” عن “ب” تشير أيضًا إلى ارتباطهما، عندما يرجع المرء إلى الخلف بجيل سيجد سلفًا مشتركًا، الذي قد يكون يعيش معهم أو لا ولكن موقعهم الاجتماعي يرتبط بالناس في “أ” و “ب”. فإذا شخص ما من المجموعة “أ” في خلاف مع شخص ما في المجموعة”ب”، فهو قادر على استدعاء القواسم المشتركة في المجموعة “أ”، أصحاب الهوية “الألفية”(“A-ness”)، لتعبئة الناس ضد المجموعة “ب”، أصحاب الهوية “البائية”. ولكن يستطيع شخص ما أكبر سنا بالنسب من هذه الأطراف أن يستدعي الأسلاف الرابطين لتهدئة الأوضاع. ويستمرّ التعمق في مخطّطات الأنساب في مسار التفاعل الاجتماعي في التأكيد على الرؤى العلائقية في الموقع الاجتماعي على حساب المواقع الفئوية.

ويمكن القول بأن هذه السلالة الأبوية ككلّ تشكّل هويّة تختلف عن الأنساب الأخرى. ولكن ما يشير إليه إيفانز بريتشارد هو أنّ التجزيئية تمثل نظامًا اجتماعيًا كاملاً، وأنّ السلالات بدورهم مرتبطون ببعضهم البعض كما يترابط أعضاء سلالات الذكور والإناث. لنعتبر مثلا الزواج. تقريبا كل المجتمعات المجزئة تصر على التزاوج الخارجي. وفي المنظور التطوري، قد يعكس التزاوج الخارجي ايجابيات الترابط عبر السلالة. لذلك فإنّ الرسم البياني الذي يركز على سلالة الذكر يفترض مجموعة أخرى من العلاقات من خلال النساء اللواتي يولدن في سلالة آبائهم ولكن أبنائهم وبناتهم ينتمون إلى نسب أزواجهنّ.

يمكن للمرء إذا أن يجادل بأن جميع الأنساب التي تزاوجت تشكل قبيلة “النوير” كهوية مختلفة عن قبيلة “الدّنكا” أو أي مجموعة أخرى في المنطقة. ولكن الأعمال الأخيرة في التاريخ الأفريقي تقدم نهجا أكثر دقة. يقدّم بناء العلائقية الجيني إمكانيات لتمديد أكثر مرونة من ميل الباحث في القرن العشرين إلى البحث عن حد فاصل بين الداخل والخارج. وكما يمكن توسيع علاقات الزواج خارج قبيلة النوير (عبر تنظيمات متبادلة وإجبارية بإجبار النساء الأسيرات على الزواج). ويمكن إدراج الغرباء—الذين يلاقونهم عن طريق التجارة، والهجرة، أو غيرها من أشكال الحركة—كأقارب وهميّين أو كمرتبطين بصفة مجازيّة لسُلالة ما عن طريق أخوة الدم. فقد هاجر شعب شمال شرق أفريقيا على نطاق واسع، لأنه حاول أن يجد بيئات أفضل أو لأنّ شرائح السلالة قد انتقلت داخل وخارج العلاقات مع بعضهم البعض. ومدّد التجار علاقات قرابتهم على ما حولهم، وشكّلوا مجموعة متنوعة من العلاقات المتّصلة بالجماعات الزراعية، وأحيانا نجدهم قد طوّروا لغة التعامل لتعزيز التواصل عبر الشبكات المكانية الكبيرة[81]. ففي مناطق عدّة في أفريقيا، يجد المرء بعض التنظيمات—مثل الأضرحة الدينية، والمجتمعات المبادرة—التي تتخطّى الاختلافات اللغوية والثقافية، والتي تعرض كما يطلق عليها بول ريتشاردز”‘قواعد’ مشتركة”للتجربة الاجتماعية داخل المناطق، لما يحملونه من اختلافات ثقافية وتفاضل سياسي[82].

تتمثّل المشكلة في إدراج هذه الأشكال من الترابط العلائقي تحت عنوان “البناء الاجتماعي للهوية” في أنّ الربط والفصل متّصلان بنفس الاسم، مما يجعل من الصعب فهم العمليات والأسباب والنتائج لاختلاف أنماط تبلور وإقامة العلاقات. كانت أفريقيا أبعد ما تكون عن جنة المجتمعيّة، ولكن كل من الحرب والسلم كانا ينطويان على أنماط مرنة من الانتماء وكذلك من التباين.

ولا ينبغي أن يفترض المرء أن مبادئ مقياس الترابط المتدرج ينفرد بها المجتمع “القبلي” صغير النطاق. ونعرف من دراسة المنظمات السياسية على نطاق أوسع—بحكّامها المتسلطين وتسلسل القيادة المعقّد—أنّ شبكات القرابة ظلت مبدأ مهمّا للحياة الاجتماعية. فقد فرض الملوك الأفارقة سلطتهم من خلال وضع علاقات تراثية مع الناس من مختلف الأنساب، ليخلقوا بذلك نواة أساسية من الدعم التي تشمل انتماءات الذريّة، ولكنهم أيضا استخدموا مبادئ النسب لتعزيز قوتهم الخاصة، مرسّخين زيجات التحالف وموسّعين حجم السلالة الملكية[83]. وتقريبا في كلّ المجتمعات، تكون مفاهيم القرابة رمزية وأيديولوجية الموارد، وفي حين أنها تشكل القواعد ومنطلقات الفهم الذاتي وتصورات الترابط، فإنها لا تنتج بالضرورة “جماعات” القرابة[84].

وقد حاول الحكم الاستعماري، إلى حد أكبر من أشكال الهيمنة التي سبقته، رسم الخرائط التناظرية للشعوب التي تملك ميزات مشتركة شائعة ومفترضة على أراضيهم. يمكن أن تكون هذه التعريفات المفروضة قوية، ولكن آثارها اعتمدت على العلاقات الفعلية والأنساق الرمزية التي وجب على الاستعماريّين الرسميّين—وكذلك الرواد الثقافيين المحليين—العمل بها وعلى جهود الآخرين الموازية للحفاظ على وتطوير والتعبير عن مختلف الانتماءات ومنطلقات الفهم الذاتي. شهد العصر الاستعماري بالفعل صراعات معقدة حول التعريف، ولكنه يبسّط فهمنا لصراعاتهم هذه على أنها إنتاج “للهويات” يقومون به. يمكن للناس أن يعيشوا في المناطق الرمادية—ويواصلون القيام بذلك يوما بعد يوم حتى إن تمّ وضع الأسس السياسية.

يدرج شارون هاتشينسون في إعادتها الفذة لتحليل “قبيلة” إيفانز بريتشارد مثل هذه الحجة في الواقع المعاصر المليء بالصراعات. ويتمثّل هدفها في “التشكيك في فكرة’ النوير ‘الأساسية كهويّة إثنية موحّدة”[85]. وتشير إلى غموض الحدود لقبيلة تدعى بالنوير قائلةً: أنّ الثقافة والتاريخ لا يتبعون مثل هذه الخطوط. وتقترح كذلك أن المخطط التفصيلي لإيفانز بريتشارد يعطي أهميّة كبيرة إلى الشيوخ الذكور المهيمنين في ثلاثينات القرن العشرين، ولا يخصّ النساء و الرجال المنحدرين من سلالات أقل نفوذا أو الشباب بشيء من هذه الأهميّة. وحسب هذا التحليل، لا يصبح من الصعب فقط رؤية النويريّة كهوية، بل من الضروري أن نفحص بكل دقة كيف أن الشعب يحاول تمديد العلاقات وتوطيدها. ترفض هاتشينسون، عند تقديم القصة حتى في حقبة الحرب الأهلية في جنوب السودان في تسعينيات القرن الماضي، التقليص من حجم الصراع إلى كونه مجرّد اختلاف من الاختلافات الثقافية أو الدينية بين الأطراف المتحاربة وتصر بدلا من ذلك على تحليل عميق للعلاقات السياسية والصراعات من أجل الموارد الاقتصادية والارتباطات المكانية.

ففي معظم أفريقيا الحديثة، في الواقع، حصلت أكثر الصراعات المريرة بين الجماعات الموحدة نسبيا ثقافيا ولغويا (مثل رواندا والصومال) وبين الشبكات الاقتصادية والاجتماعية المترهلة التي تقوم على علاقات الزبون والمستهلك عوضا عن الانتماء العرقي (مثل أنغولا، وسيراليون)، وكذلك في حالات حيث تم تحويل التمييز الثقافي إلى سلاح سياسي (في كووا الزولو في جنوب أفريقيا[86]). ويسقط شرح النزاع الحالي أو السابق من حيث كيفية بناء الشعوب “لهُويّاتهم” والمحاربة عليها في محظور تفسير جاهز حاضريّ غائيّ يصرف الانتباه عن أسئلة كتلك التي تناولتها هاتشينسون.

القومية الأوروبية الشرقية

لقد جادلنا بأن لغة الهوية، مع دلالات حالة الجماعة ومحدوديتها والتماثل غير ملائمة بشكل واضح لتحليل مجتمعات النسب المجزئة—أو للنزاعات الحالية في إفريقيا. قد يقبل المرء هذه النقطة ومع ذلك يمكن أن يجادل بأنّ اللغة الهُوويّة مناسبة لتحليل أوضاع اجتماعية أخرى، بما في ذلك وضعنا الخاص، حيث يكون “الحديث عن الهوية” الخاص والعام نقاش راهن على نطاق واسع. ولكنّنا لا نكتفي بالقول أنّ مفهوم الهوية لا “يسافر” بطريقة جيّدة لدرجة أنه لا يمكن تطبيقه عالميا على جميع الأوضاع الاجتماعية. وهنا نريد تقديم حجة أقوى: وهي أن “الهوية” ليست ضرورية ولا مفيدة كصنف للتحليل حتى وإن تمّ استخدامها على نطاق واسع كصنف ممارسة. وتحقيقا لهذه الغاية، سننظر في القومية في أوروبا الشرقية وسياسات الهوية في الولايات المتحدة.

تتميّز الكتابة العلمية التاريخية والاجتماعية في موضوع القومية في أوروبا الشرقية—إلى حد أكبر بكثير من الكتابة على الحركات الاجتماعية أو الإثنية في أمريكا الشمالية—بمعاني صلبة لهوية الجماعات. شهد كثير من المعلقين عودة القومية العرقية في فترة ما بعد الشيوعية في المنطقة على أنها تنبع من الهويات الوطنية المتجذرة العميقة والمتينة—ومن الهويات القوية والمرنة بما يكفي لتنجو من القمع على مدى عقود من قبل الأنظمة الشيوعية المنافية للوطنية التي لا تعرف الرحمة. لكن منظور “عودة المكبوت” يمثل مشكلة[87].

لننظر مثلا في الاتحاد السوفياتي السابق. إنّ رؤية  النزاعات القومية كصراعات لتحقّق الهويات والتعبير عنها التي نجتب طريقة ما من محاولات النظام لسحقهم غير مبررة. على الرغم من أنه ضدّ القوميّة، وبالطبع قامع بكل أنواع الطرق، يمكن وصف النظام السوفياتي بأي شيء ماعدا كونه مناهضا للوطنية[88]. بعيداً عن قمع القومية بلا رحمة، بذل النظام مساع لم يسبق لها مثيل في ترسيخها وتقنينها. وقد قسّمت الأراضي السوفياتية لأكثر من خمسين “وطنا” مستقل وقومي، وكل واحد منهم “ينتمي” إلى مجموعة عرقية قومية خاصة. وأُسند إلى كل مواطن “جنسية”عرقية نُسبت له منذ الولادة على أساس النسب، والتي سُجّلت في وثائق الهوية الشخصية وفي المناقشات البيروقراطية، واستُعملت لمراقبة الوصول إلى التعليم العالي والتشغيل. وبهذا، لم يكن النظام فقط يعترف أو يُصادق على ظرف الأشياء الموجودة مسبقًا. بل إنه كان يشكّل من جديد كل من الأشخاص والأماكن كقوميين[89]. وفي مثل هذا السياق، تكون التصوّرات الصلبة للهوية القومية، كشيء متجذّر بعمق في تاريخ المنطقة ما قبل الشيوعي تم تجميده أو قمعه من قبل نظام مضاد للوطنية عديم الرحمة، ويعود مع انهيار الشيوعية، كشيء لم يحدث، في أحسن الأحوال، وفي أسوأ الأحوال ليس إلا تبريرا علميا للخطاب القومي.

فماذا عن التصوّرات البنائية الرخوة للهوية؟ قد تتنازل البنائية عن أهمية النظام السوفياتي متعدد الجنسيات المؤسسية، وقد تفسّر ذلك على أنه وسيلة مؤسسية بُنيت من خلالها الهويات الوطنية. لكن لماذا يجب أن نسلّم بأنّها “هوية” تلك التي يتم بناؤها على هذا النحو؟ إنّ التسليم بأنها كذلك يضعنا في خطر الخلط بين نظام التعريف أو التصنيف مع نتيجته المفترضة، ألا وهي الهوية. لا تستطيع تسميات المجموعة الفئوية—مهما كانت متسلّطة أو مؤسسية بشكل واسع—أن تكوّن علامات “لمجموعات” حقيقية أو “هويات” متينة.

فلنتمعّن على سبيل المثال في حالة “الروس” في أوكرانيا. ففي تعداد عام 1989، حدّد حوالي 11.4 مليون من سكان أوكرانيا “جنسيتهم” كروس. لكن الدقة التي اقترحتها البيانات الإحصائية، حتى عندما تم تقريبها إلى أقرب مائة ألف، كانت زائفة تماما. تمثّل الفئات “الروسية” و”الأوكرانية”، كأسامي ﻟﻠﺠﻨﺴﻴﺎت اﻟﻌﺮﻗﻴﺔ، اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﻤختلفة والمفترضة أو “للهويات” المختلفة، إشكالية عميقة في السياق الأوكراني، حيث كانت معدلات التزاوج مرتفعة، وملايين الأوكرانيين بالاسم يتحدثون الروسية فقط أو في المقام الأول. يجب على المرء أن يرتاب من وهم “الهوية” أو من حالة الجماعة ذات الحدود الناتجة عن التعداد، بفئاتها الشاملة وغير المتقاطعة. يستطيع المرء أن يتخيّل الأوضاع التي قد تظهر فيها “حالة الجماعة” ضمن الروس بالاسم في أوكرانيا، ولكن مثل حالة الجماعة هذه لا يمكن أن تؤخذ على أنّها معطى[90].

 لا تحتوي الصبغة المؤسسية وتقنين الفئات العرقية والقومية على العمق أو القوة أو الصدى لدى الناس في التجربة الحية للأشخاص المصنفين. يُوفّر النظام التصنيفي العرقي المؤسسي بسهولة وبشرعية بعض الفئات المعينة لتمثيل واقع اجتماعي، وتأطير المطالب السياسية، وتنظيم العمل السياسي. يعدُّ هذا في حد ذاته أمرا بغاية الأهمية، ولا يمكن فهم أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي بدون الرجوع إليه. ولكن لا يعني هذا أنّ هذه الفئات سيكون لها دور مهمّ في تأطير الإدراك الحسّي، وتوجيه الفعل، أو تشكيل الفهم الذاتي في الحياة اليومية –وهو دورٌ تتضمّنه حتى الروايات البنائية “للهوية”.

يعدُّ المدى الذي تصوغ به التصنيفات الرسمية منطلقات الفهم الذاتي، والمدى الذي تقارب به الفئات السكانية التي تخلقها الدول أو الرواد من الساسة “الجماعات” الحقيقية، أسئلة مفتوحة لا يمكن معالجتها إلا تجريبيا. إنّ لغة “الهويّة” من المرجح أن تعرقل أكثر من أن تساعد في إثارة مثل هذه الأسئلة، لأنها تطمس ما يجب أن يبقى متميزًا عن بعضه البعض: مثل التصنيف الخارجي والفهم الذاتي، والقواسم المشتركة الموضوعية وحالة الجماعة الذاتية.

لنتفكر في مثال أخير غير سوفياتي. إنّ الفرق بين المجريين والرومانيّين في ترانسيلفانيا ممّا لا شكّ فيه أكثر حدة من ذلك الفرق بين الروس والأوكرانيين في أوكرانيا. ولكن هنا أيضا، تكون حدود الجماعة أكثر مسامية وغموضا من الاعتقاد السائد إلى حدّ كبير. إنّ لغة السياسة والحياة اليومية، بالتأكيد، فئوية بشكل حاد، فهي تقسم السكان إلى فئات عرقية قومية خاصة ومتبادلة، ولا تترك أي مجال للأشكال المختلطة أو الغامضة. ولكن لا يجب أن يأخذ هذا الرمز الفئوي كوصف دقيق للعلاقات الاجتماعية، على الرغم من كونه عنصرا مهمّا في تكوين هذه العلاقات. يحجب هذا الرمز الفئوي، الذي يعزّزُه أصحاب المشاريع الهُوويّة من الجانبين، بقدر ما يكشف عن منطلقات الفهم الذاتي، مُخفيا الانسيابية والغموض الذي ينبع من الزيجات المختلطة، ومن الثنائية اللغوية، ومن الهجرة، ومن الأطفال الهنغاريين الذين يحضرون مدارس باللغة الرومانية، ومن الاستيعاب عبر الأجيال (في كلا الاتجاهين)،— وربّما أهمّهم—من اللامبالاة المحضة لمطالب الجنسية الثقافية العرقية.

وحتى في نحوها البنائي، تجعل لغة “الهوية” تفكيرنا أسيرا لحالة الجماعة ذات الحدود. وتفعل ذلك لأنّ حتى الفكر البنيوي حول الهوية يرى وجود الهوية كشيء بديهي. إنّ الهوية دوما “سابقة الوجود” كشيء “يملكه” الأفراد والمجموعات، حتى وإن تمّ وضع تصوّر لمحتوى بعض الهويات المعيّنة وللحدود التي تميّز المجموعات من بعضها البعض على أنّها في تغير مستمر. وعليه، فحتى اللغة البنائية تميل إلى تشييء “الهوية”، ومعاملتها “كشيء” ما، على الرغم من أنّها طيّعة “يملكها”الشعب و”يشكّلها” و”يبنيها”.

تحرمنا هذه النزعة لتشييء “الهوية” من امتلاك القدرة التحليلية. فهي تجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لنا لتناول”حالة الجماعة”و “الحدود” كخصائص ناشئة لمواضع هيكلية أو افتراضية معينة عوضا عن وجودها الدائم بشكل ما. ويجب التأكيد على هذه النقطة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، لأنّ اللغة الجماعية المتسرّعة التي تسود في الحياة اليومية والصحافة والسياسة والكثير من البحوث الاجتماعية أيضًا—مثل عادة التحدث عن “الألبان” و “الصرب” دون تحفّظ، كما لو كانوا “جماعات” متجانسة على الصعيد الداخلي—لا تضعف فقط التحليل الاجتماعي بل وتحدّ أيضا من الإمكانيات السياسية في المنطقة.

مطالب الهوية ومعضلة”العرق” الدائمة في الولايات المتحدة

         كانت لغة الهوية قوية بشكل خاص في الولايات المتحدة في العقود الأخيرة. فلقد كانت بارزة على حد السواء بوصفها لغة تحليل في العلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية وكلغة يستعملها المرء للتعبير عن التجارب ولحشد الولاء ولصياغة المطالب الرمزية والمادية في الممارسة الاجتماعية والسياسية اليومية.

         تتعدّد مصادر مآسي مطالب الهويّة وصداها في الولايات المتحدة المعاصرة—رغم أنّها تعتبر أحد أعمق المشاكل المركزية في التاريخ الأمريكي—ونذكر منها استيراد الرقيق اﻷﻓﺎرﻗﺔ، واﺳﺘﻤﺮار اﻟﻘﻤﻊ اﻟﻌﻨﺼﺮي، وردود الفعل الإفريقية الأمريكية المتنوعة حول ذلك. لا تعدّ تجربة الأمريكيين من أصول أفريقية بخصوص “العرق” بوصفها في الوقت ذاته تصنيفا مفروضا وتعريفا ذاتيا مهمّا فقط من حيث طابعها الخاص، بل وكذلك نموذجا لأشكال مطالب الهوية المتنوعة من أواخر ستينيات القرن الماضي، بما في ذلك تلك المطالب التي تقوم على الجندر والتوجه الجنسي فضلا عن تلك القائمة على “الإثنية” أو “العرق”[91].

واستجابة للمطالب الهوويّة المتتالية في هاته العقود الثلاثة الأخيرة، شهدت نواحي الخطاب العام، والحجج السياسية، والأبحاث العلمية تقريبا في كل مجال من مجالات العلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية تحوّلا مثيرا. وفي هذا المسار، نجد الكثير ممّا هو قيّم. فالآن تتحدّث كتب التاريخ المدرسية عن قصص أشمل وأكثر ثراء من تلك الكتب من الجيل السابق. فقد تمّ عرض أشكال العالمية المظلّلة والواهية—من قبيل صنف “العامل” الماركسي الذي يظهر دائمًا في شكل ذكر، وصنّف “المواطن” الليبرالي الذي اتضح أنّه أبيض. ولقد تمّ انتقاد مطالب الجيل الأول” الهوويّة نفسها—وكذلك الأدبيات العلمية التي كوّنتهم–  لتعاميها عن الخصوصيات الشاملة لعدّة مجالات: والحركات الإفريقية الأمريكية لتصرفها كما لو أن المرأة الأمريكية الأفريقية لم يكن لديها اهتمامات تتعلق بالجندر، والنسويات أيضا لتركيزهنّ على امرأة الطبقة الوسطى البيضاء.

كان للحديث البنائي تأثير خاص على الأوساط الأكاديمية المهتمة بالدراسات الأمريكية، ممّا سمح للعلماء بالتشديد على الأهمية المعاصرة للتعريفات المفروضة ومنطلقات الفهم الذاتي التي تطوّرت في التفاعل الجدلي معهم، مؤكدين على أنّ الجماعات” المعرّفة سواء بالذّات أو بالآخر ليست بدائية وإنّما تمّ إنتاجها تاريخيا. يعدّ تناول موضوع العرق في تأريخ الولايات المتحدة مثالا ممتازا. فحتى قبل أن يصبح “البناء الاجتماعي” عبارة طنّانة، كان العلماء يعرضون “العرق” بعيدًا عن كونه بعدا محدّدا لماضي أميركا كفئة سياسية نشأت بالتزامن مع النبضات الجمهورية والشعبية الأمريكية. جادل إدموند مورغان بأنه في أوائل القرن الثامن عشر في ولاية فرجينيا، كان يخضع الخدم البيض المسخرون والعبيد السود لنفس التبعية التي لم تكن متباينة بشكل قاطع. لذلك كانوا يتعاونون في بعض الأحيان. تغير ذلك عندما بدأ أصحاب المزارع الفرجينيون في التحرّك ضد البريطانيين بدؤوا يحتاجون إلى رسم حدود حادة بين المنضمين والمستبعدين سياسيا. وقد قاد تصوّر هؤلاء بأن العبيد السود الذين كانوا أكثر عددا وإمكانية استبدالهم بعمّال واحتمالية أن يكونوا مؤيدين سياسيين أدنى من غيرهم، إلى وضع علامات تمييزية، ممّا جعل الفقراء البيض بدورهم يستعملون هذه الحجة لصالحهم[92].ومن هذه البدايات، رسم المؤرخون عدة لحظات أساسية لإعادة تعريف الحدود العرقية في الولايات المتحدة وعدة نقاط أظهرت فيها أشكال العلاقات المتنوعة إمكانية لإحداث أنواع أخرى من الانتماء السياسي.لقد تم إنشاء البياض والسواد تاريخيا واعتبارهما فئات متغيرة عبر التاريخ في الآن نفسه. وقد أبرز مؤرخو المقارنة في الوقت نفسه أن بناء العرق يمكن أن يتّخذ أشكالًا أكثر تنوعًا، مبيّنين إمكانية اعتبار العديد من الناس الذين تمّ اعتبارهم “كسود” تحت أنظمة أمريكا الشمالية التصنيفية يصنفون بشكل آخر في مناطق أخرى من الأمريكتين[93].

يكشف التاريخ الأمريكي إذا عن قوة الهوية المفروضة. كما يكشف عن تشابك منطلقات الفهم الذاتي للناس الذين تمّ تعريفهم من خلال الأوضاع التي لا يتحكّمون بها. حدّدت التعاريف الذاتية الجماعية في الفترة ما قبل الحرب الأهلية الأميركيين السود بطرق معينة فيما يتعلق بإفريقيا—ففي كثيرمن الأحيان يُعتبر الشخص من أصل أفريقي (أو “إثيوبي”) موضوعا على مقربة من قلب الحضارة المسيحية. أمّا حركات العودة إلى إفريقيا الأولى فكانت تتناول أفريقيا في العادة ﻛمجرّد صفحات بيضاء في الثقافة أو كحضارة هابطة ليتم استرجاع إشعاعها فيما بعد من قبل الأمريكيين المسيحيين من أصل أفريقي[94]. ولا يعني تأكيد المرء لنفسه بأنه من “شعب” الشتات بالضرورة مطالبته بقواسم مشتركة ثقافية- وقد كان لهذين المفهومين علاقة متوترة مع بعضهما البعض منذ ذلك الحين. يمكن للمرء أن يكتب تاريخ الفهم الذاتي للأفارقة الأمريكيين “كتصاعد” على مدى زمن القومية السوداء، أو يمكن للمرء استكشاف التفاعل بين مثل هذا الشعور بالجماعة وجهود الناشطين الأمريكيين الأفارقة للتعبير عن أنواع الإيديولوجيات السياسية المختلفة ولتوطيد الروابط مع غيرهم من الراديكاليين. إنّ النقطة الأهمّ هنا تدور حول النظر في مجموعة من الاحتمالات وتقدير الجدية التي تمت بها مناقشة هذه الاحتمالات.

لا يعدّ التحليل التاريخي للبناء الاجتماعي على هذا النحو إشكالية، ولكن الافتراضات حول ما يتم بناؤه هي المشكل. ولذلك نجد “البياض” أو “العرق” يعتبر الموضوع النموذجي للبناء، وليست أشكال الترابط أو القواسم المشتركة الأخرى الأكثر مرونة. قد يبعث الشروع في الكتابة عن “التعريفات” حالما تنشأ وتتبلور وتتلاشى في أوضاع اجتماعية وسياسية خاصة تاريخًا مختلفًا أكثر من الشروع في الكتابة عن “الهوية”،التي من شأنها ربط الماضي والحاضر والمستقبل في كلمة واحدة.

وقد تم انتقاد تفسيرات التاريخ الأمريكي الأمميّة على أنها تفرغ التاريخ من الألم الذي عاشه الناس: ففوق كل آلام الاسترقاق والتمييز، والنضالات ضد الاسترقاق والتمييز، يبقى تاريخا يميز الأمريكيين الأفارقة بطريقة لا يحبذ الأمريكيون البيض أن يتقاسموها[95]. وفي هذا الموضع، يتردّد صدى النداءات لفهم خصوصية كل تجربة على حدى ولكن هناك مخاطر جدية في تبسيط تلك التواريخ إلى “هوية” ثابتة ومفردة. قد تكون هناك مكاسب وخسائر في مثل هذا التبسيط، كما يوضّح المشاركون الواعون في النقاشات حول سياسات العرق[96]. لكن اختزال التجارب التاريخية و”الثقافات” المشتركة المزعومة “للجماعات” الأخرى المتباينة مثل النساء والمسنين والأمريكيين الأصليين والمثليين والفقراء وذوي الحاجيات الخصوصية تحت فئة “الهوية” الشاملة لا يعد أكثر احتراما للألم الذي يصاحب بعض التواريخ من خطابات العدالة الكونية وحقوق الإنسان. يترك إسناد مثل هذه “الهويات” إلى الأفراد الكثير من الناس—الذين شهدوا مسارات متفاوتة من النسب وتنوع الابتكارات والاقتباسات التي تشكل ثقافة ما—عالقين بين هوية صلبة لا تناسبهم تمامًا ولغة التهجين الناعمة والتعددية والانسيابية التي توفّر لا فهما ولا عزاء[97].ويبقى السؤال ما إذا كنا نستطيع معالجة تعقيد التاريخ—بما في ذلك الطرق المتغيرة التي فيها تصم بها التصنيفات الخارجية الناس وتمتهنهم ولكنها تعطيهم شعورا تمكيني وملائم بالذات الجماعية–بلغة أكثر مرونة وتباينا. فإن كانت المساهمة الحقيقية للتحليل البنائي الاجتماعي—أي أن الانتماءات والفئات والجوانب الذاتية تتطوّر وتتغيّر مع مرور الوقت—فيجب أن تؤخذ على محمل الجد، ولا يجب اختزالها في سرد البنائية الحاضريّ والغائيّ حول “الجماعات” الموجودة حاليا. وعليه، يجب أن تُفهم حالة الجماعة ذات الحدود على أنها خاصية عرضية وناشئة، وليس كمعطى بديهي.

يثير تمثيل المجتمع الأمريكي المعاصر مشكلة مماثلة- متجنبا الروايات التبسيطية والاختزالية للعالم الاجتماعي باعتباره فسيفساء متعدّدة الألوان لمجموعات الهوية أحادية اللون. لقد أضحى علم الاجتماع الهووي الفقير مفاهيميًّا، “يتقاطع” فيه العرق والطبقة والجندر والتوجه الجنسي وربما فئة أو فئتين أخرى والتي تولّد مجموعة من الصناديق المفاهيميّة تفرض على جميع الاستخدامات بقوّة في الأكاديميا الأمريكية في تسعينيات القرن العشرين—وليس فقط في العلوم الاجتماعية والدراسات الثقافية، والدراسات العرقية، ولكن أيضا في الأدب والفلسفة السياسية. في ما تبقى من هذا القسم، سنغير زاوية رؤيتنا وننظر في الآثار المترتبة عن استخدام علم الاجتماع الهووي هذا في مجال الفلسفة السياسية.

يقول أليسدير ماكنتاير أن”الفلسفة الأخلاقية تبنى على تصورات علم الاجتماع”[98].والشيء نفسه صحيح بالأحرى مع النظرية السياسية. تكمن المشكلة مع الكثير من النظريات السياسية المعاصرة في أنها مبنية على أساس علم اجتماع مشكوك فيه—فيما يتعلق فعلا بالتمثيل القائم على المجموعة في العالم الاجتماعي آنف الذكر. ولسنا هنا بصدد إرساء مقارنة بين جانب “الكونية” و”الخصوصية”. بدلا من ذلك، نشير إلى أن اللغة الهووية والأنتولوجيا الاجتماعية الجماعاتية اللذان يشكّلان الكثير من النظريات السياسية المعاصرة يحجبان الطبيعة الإشكالية “لحالة الجماعة” نفسها ويستبعدان طرقا أخرى لوضع مفاهيم للانتماءات والتآلفات.

نجد الآن أدبيات مهمة تنتقد فكرة المواطنة العالمية. تطرح ايريس ماريون يانغ، وهي أحد النقاد في هذا الشأن، بدلا من المواطنة العالمية مواطنة قائمة على الجماعات المتباينة، المبنية على تمثيل الجماعة وحقوقها. بالنسبة لها، فإن وجود فكرة “المنظور الحيادي العام” ماهي إلاّ “خرافة”، لأنّ مختلف الجماعات تملك احتياجات وثقافات وتواريخ وتجارب وﺗﺼﻮرات للعلاقات اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ مختلفة”. ولذلك ﻳﺠﺐ أﻻ ﺗﺴﻌﻰ اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ إﻟﻰ تجاوز مثل هذه الاختلافات، ولكن عليها أن تعترف وتُسلّم بكونهم “غير قابلين للاختزال”[99].

أي نوع من الاختلافات يجب الاعتراف بها ومنحها تمثيل وحقوق خاصّة؟ إنّ الاختلافات قيد النظر هي تلك التي ترتبط “بالجماعات الاجتماعية” المعرّفة بأنّها “هويات شاملة وطرق للحياة”، والتي تتميّز عن محض تجميع للأفراد من جهة—مثل تصنيفات الأشخاص العشوائية وفقا لبعض السمات—وعن الروابط الطوعية من جهة أخرى. لن يتم إيلاء الحقوق الخاصة والتمثيل لجميع الجماعات الاجتماعية، ولكن لأولئك الذين يعانون على الأقل من واحدة من خمسة أشكال للقمع. وهذا يتضمن في المجتمع الأمريكي المعاصر “النساء والسود والأمريكيين الأصليين والشيكانوس والبورتوريكيين وغيرهم من الأمريكيين الناطقين بالإسبانية، والأمريكيين الآسيويين، والمثليين والمثليات والطبقة العاملة، والمسنين، والأشخاص المعاقين ذهنيا وجسديا”[100].

فما الذي يكوّن “حالة الجماعة” لدى هذه “الجماعات”؟ وما الذي يجعلهم جماعات بدلاً من فئات—لكن ليس بالضرورة أو دائما—تتبلور حولها تعريف الذات أو الآخر؟ لم يتم تناول هذا من قبل يانغ. فهي تفترض أن التواريخ المختلفة والتجارب والموقع الاجتماعي تمنح هذه “الجماعات” مختلف” القدرات، والاحتياجات، والثقافات، والأساليب المعرفية” و”مختلف تصوّرات جميع جوانب المجتمع ووجهات النظر الفريدة حول المسائل الاجتماعية”[101]. تم تفسير التباين الثقافي والاجتماعي كتجاور الكتل المتجانسة داخليا وذات الحدود خارجيا. إنّ “مبادئ الوحدة”التي ترفضها يانغ على مستوى النظام السياسي ككل—لأنها “تحجب الاختلاف”—يتم إعادة تقديمها مع مواصلة إخفاء الاختلاف على مستوى “الجماعات” المكونة للنظام.

إنّ الحجج حول المواطنة “متعدّدة الثقافات” والمتنوعة حسب الجماعات تعتبر من القضايا المهمة التي تمت مناقشتها منذ فترة طويلة داخل الوسط الأكاديمي وخارجه،والتي لها علاقة بطريقة أو بأخرى مع الوزن والأسس الموضوعية لمطالب الكونية والخصوصية[102]. لا يمكن ولا ينبغي أن يسعى التحليل الاجتماعي إلى حل هذا النقاش المتعمق، ولكنه يمكن أن يسعى إلى دعم أسسه السوسيولوجية التي عادة ما تكون هشّة. ويمكن أن يوفر مفردات أُكثر ثراء لوضع تصوّر للتباين والخصوصية الاجتماعية والثقافية. يفتح تجاوز اللغة الهووية إمكانيات لتحديد أنواع أخرى من الترابط، وعبارات أخرى للتعريف، وأنماط أخرى من الفهم الذاتي، وطرق أخرى لحساب الموقع الاجتماعي. ولإعادة صياغة ما قاله آدم بريزورسكي منذ فترة طويلة عن الطبقية: يكون النضال الثقافي نضالا حول الثقافة قبل أن يكون صراعا بين الثقافات[103].ويوظّف الناشطون حول سياسات الهوية لغة الجماعة ذات الحدود لا لأنها تعكس الواقع الاجتماعي، ولكن بالتحديد لأن حالة الجماعة غامضة ومطعون فيها. يملك خطاب الجماعاتيّ بعدا إنشائيا وأدائيًا، مساهما في، عندما يكون ناجحا، صنع الجماعات التي يستدعيها[104].

وهنا لدينا فجوة بين الحجج المعيارية والتعبيرات الناشطة التي تأخذ حالة الجماعة ذات الحدود معطيات بديهية وبين التحليلات التاريخية والسوسيولوجية والتي تشدّد على العرضيّة والانسيابية والتنوع. على مستوى الحجج المعيارية، نجد أنفسنا أمام معضلة حقيقية: يعتمد الحفاظ على التميز الثقافي جزئياً على الأقل على الحفاظ على حالة الجماعة ذات الحدود وبالتالي على حراسة “خيار الخروج”، والاتهام”بالعبور” وخيانة جذور المرء كأساليب ضبط[105].ومع ذلك، فإن النقاد مثل هذا الضبط يجادلون بأن النظام الليبرالي ينبغي أن يحمي الأفراد من قمع الجماعات الاجتماعية وكذلك من قمع الدولة.

أمّا على مستوى التحليل الاجتماعي، فلا تبدو المعضلة ضرورية. فنحن لا نواجه خيارا عسيرا بين اللغة التحليلية الفردانية الكونية واللغة الهووية الجماعية. إنّ تحديد الخيارات بهذه الطريقة يغفل تنوع الأشكال (بخلاف الجماعات ذات الحدود) التي يمكن أن يتخذها الانتماء والقواسم المشتركة والترابط—ولذلك نركّز على حاجتنا إلى مفردات أكثر ليونة. ولا ندافع هنا عن أي موقف محدد بشأن سياسات الاختلاف الثقافي والاختيار الفردي، ولكن بدلا من ذلك ندافع عن مفردات التحليل الاجتماعي الذي يساعد على فتح الباب وإلقاء الضوء على مجموعة من الخيارات. إن سياسيات الجماعة “الائتلافية” التي تحتفل بها يانغ والآخرون على سبيل المثال بالتأكيد لها مكانها، لكن علم الاجتماع الجماعاتي الذي يكمن وراء نوع خاص من سياسات الائتلاف—مع افتراضه أنّ هذه المجموعات المحدودة هي اللبنات الأساسية في سياسة التحالفات—يحدّ من الخيال السياسي[106].

لا يتناقض أي من هذا مع أهمية المناقشات الحالية حول مفاهيم العدالة الاجتماعية “الكونية” و”الخاصويّة”. ما نريد قوله هو أنّ التركيز الهووي على حالة الجماعة ذات الحدود لا يساعد في إثارة هذه الأسئلة. غير أنّ النقاش في بعض النواحي يستند إلى المفاهيم الخاطئة على كلا الجانبين. لا نحتاج في الحقيقة أن نختار بين تاريخ أمريكي مضمّن في تجارب و “ثقافات” الجماعات ذات الحدود و تاريخ آخر على حد سواء يُختزلُ في قصة وطنية “واحدة”. يعرقل التباين في المجتمع الأميركي وتاريخ الفسيفساء متعدّد الألوان لمجموعات الهوية أحادية اللون أكثر مما يساعد على فهم الماضي والسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية في الوقت الحاضر.

الخاتمة: الخصوصية وسياسات “الهوية”

لم نقم بمجادلة سياسة الهوية. ومع ذلك، يترتّب عن هذه الحجة آثار سياسية وكذلك فكرية. في بعض الأوساط، يمكن اعتبار هذه الآثار رجعية، لتقويض الأساس لتقديم مطالب خصوصية الجماعات. وهذه ليست نيتنا ولا استنتاجا صحيحا على ما كتبناه.

إنّ إقناع الناس بأنهم كتلة واحدة وأنّهم يشكلون جماعة مميزة، ومحدودة ومتضامنة وأن اختلافاتهم الداخلية ليست بالغة الأهمية، على الأقل لهذا الغرض، جزء طبيعي وضروري في السياسة، ولا يرتكز فقط على ما يوصف عادة باسم “سياسات الهوية”. ولا يقتصر الأمر على السياسية فحسب، لأنّه لدينا بالفعل تحفظات حول الطريقة التي يحرم بها التوظيف الروتيني للتأطير الهووي الطرق الأخرى المهمّة من تأطير المطالب السياسية . ولكننا لا نسعى إلى حرمان أي شخص من “الهوية” كأداة سياسية، أو لتقويض شرعية تقديم المطالب السياسية بصيغ هوويّة.

وقد ركّز حجاجنا بدلاً من ذلك على استخدام “الهوية” باعتبارها مفهوما تحليلياّ. وعلى طول المقالة، لقد تسألنا ما العمل الذي من المفترض أن يقوم به المفهوم وما مدى نجاعته. ولقد جادلنا بأنّه يتم توظيف المفهوم للقيام بقدر كبير من المهام التحليلية—والكثير منها مشروعة وهامة. ومع ذلك، فإن “الهوية” غير مناسبة لأداء هذا العمل، لأنها مليئة بالغموض، تسودها معاني متناقضة وتشغلها دلالات تحليلية مشيّئة. إنّ تقييد الاسم بسلسلة من النعوت—حيث يحدّد الهوية على أنها متعددة انسيابية، في تغيير مستمر ،إلى آخره—لا يحل المعضلة الأورويلية بخصوص الفخ اللفظي. ولا تحقّق الهوية أكثر من التناقض اللفظي— كتفرد متعدد، وتبلور انسيابي—ولكنها لا تزال تطرح السؤال لماذا يجب على المرء استخدام نفس المصطلح ليشير إلى كل هذه المعاني وحتى أكثر منها. تستطيع العبارات التحليلية البديلة، كما جادلنا،أن تقوم بالعمل اللازم دون الارتباك المصاحب له.

إنّ القضية هنا ليست قضية شرعية أو أهمية مطالب الخصوصية، ولكن ترتكز على البحث عن أفضل المفاهيم لاستيعاب هذه المطالب. يملك الناس في كل مكان ودائما روابط خاصة، ومنطلقات فهم ذاتية، وقصص، ومسارات، وتواريخ، ومحن. وكل هذه المعلومات تشكّل كل أنواع المطالب. إنّ وضع مثل الخصوصيات تحت عنوان “الهوية” المبسّط واللامتباين يسلّط الكثير من العنف على أشكالها الخصوصية  الجامحة والمتنوعة شأنه شأن المحاولة لوضعها تحت فئات “كونية” مثل “المصلحة”.

علاوة على ذلك، فإن تفسير الخصوصية بالمعنى الهووي يضيق الخناق على الخيال السياسي وكذلك الخيال التحليلي. إنها تحرم الخصوصية عن طيف من ممكنات الفعل السياسي عدا تلك الخيارات المتجذرة في الهوية المشتركة المفترضة—وليس فقط تلك التي تمت الإشادة بها أو لعنها كشيء “كوني”. يفسّر السياسيون الهوويون، على سبيل المثال، التعاون السياسي باعتباره بناء الائتلافات بين مجموعات الهوية ذات الحدود. وهذا يعدّ أحد أساليب التعاون السياسي، ولكنه ليس الوحيد.        

لفتت كاثرين سيكينك ومارغريت كيك،على سبيل المثال، الانتباه لأهمية “شبكات القضايا العابرة للدول” من الحركات المناهضة للعبودية في أوائل القرن التاسع عشر إلى الحملات العالمية حول حقوق الإنسان، والبيئة، وحقوق المرأة في السنوات الأخيرة. تعبر هذه الشبكات بالضرورة الحدود الثقافية وكذلك الدولية وتربط أماكن معينة ومطالب خاصة إلى اهتمامات أوسع. وكمثال لذلك، جلبت الحركات المناهضة للفصل العنصري معا المنظمات السياسية في جنوب أفريقيا التي كانت بعيدة كل البعد عن الاتحاد—فمنهم من آمن بالأيديولوجيات “الكونية”، ومنهم من صنّفوا أنفسهم “كمستفرقين”، والبعض منهم يشدّد على “الهوية” المحلية والثقافية—مع مجموعات الكنائس الدولية، والنقابات العمالية، وحركات الأمّة الإفريقية وجماعات حقوق الإنسان، وإلى آخره. وقد تحركت المجموعات المعينة داخل العمل التعاوني في شبكة شاملة. ولكن الصراع بين معارضي دولة الفصل العنصري كان في بعض الأحيان مرّا، وحتى مميتا. ومع تغير الجهات الفاعلة في الشبكة، تم إعادة صياغة القضايا المطروحة. ففي لحظات معينة، مثلا، تم تسليط الضوء على القضايا القابلة للتعبئة الدولية، في حين تمّ تهميش بعض القضايا الأخرى—التي كانت مصدر قلق كبير لبعض المشاركين المحتملين[107].

لا ترمي وجهة نظرنا إلى الاحتفاء بهذه الشبكات على حساب الحركات الاجتماعية الهووية الحصرية أو المطالب الجماعية. فالشبكة ليست بحال من الأحوال أفضل جوهريا من حركات الهوية والجماعات. فليست السياسة—في جنوب أفريقيا أو في أي مكان آخر—مواجهة بين “العالميين” الخيّرة وشبكاتهم وبين القبلية السيئة. ولقد تسبّبت الشبكات المرنة المبنية على العملاء والمركزة على النهب والسلب وأعمال التهريب في كثير من الفوضى. فقد كانت هذه الشبكات مرتبطة في بعض الأحيان بالمنظمات السياسية “ذات المبادئ” وكثيرا ما كانت مرتبطة بالأسلحة وبوسطاء التجارة غير القانونية في أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية. وتسري مختلف الظروف الخاصة كعوامل فاعلة، ويحتاج المرء للتمييز بين الحالات التي تتحد فيها هذه الخصوصيات حول رموز ثقافية معينة والحالات التي تكون فيها مرنة، واقعية، وقابلة للتمديد بسهولة. وإنّ استخدام نفس الكلمات بخصوص التشييء والانسيابية لا يساهم في دقة التحليل، فكل شيء يكمن في المسافة بينهما.

إن انتقاد استخدام “الهوية” في التحليل الاجتماعي لا يجب أن يحجب رؤيتنا عن الخصوصية. بل الهدف من ذلك هو تصور المطالب والاحتمالات الممكنة التي تنشأ من الانتماءات والارتباطات المعينة، ومن القواسم المشتركة والعلاقات الخاصة، ومن القصص ومنطلقات الفهم الذاتي المعينة، ومن المشاكل والمحن الخاصة بطريقة أكثر تنوعًا. أصبح التحليل الاجتماعي أكثر وعيا بموضوع الخصوصية في العقود الأخيرة. وحتى الأدبيات حول الهوية ساهمت بشكل جيد في هذا المشروع. ولقد حان الوقت الآن لتجاوز “الهوية”—ولكن ليس باسم “الكونية” الوهمية، ولكن باسم الوضوح المفاهيمي المطلوب للتحليل الاجتماعي والفهم السياسي على حد سواء.

ملاحظات الكاتبين: 


[1] من “Politics and the English Language,” in George Orwell, A Collection of Essays (New York: Harcourt Brace, 1953), 169-170.

[2] من أجل تحليل متعقل لسياسات الهوية انظر Todd Gitlin, The Twilight of Common Dreams: Why America Is Wracked by Culture Wars (New York: Henry Holt, 1995), ولدفاع مركب انظر, Robin D.G. Kelley, Yo’ Mama’s Disfunktional!. Fighting the Culture Wars in Urban America (Boston: Beacon, 1997). ولمناقشة أن سياسات الهوية مضى أوانها انظر Ross Posnock, “Before and After Identity Politics,” Raritan 15 (Summer 1995): 95-115; and David A. Hollinger, “Nationalism, Cosmopolitanism, and the States,” in Noah Pickus, editor, Immigration and Citizenship in the Twenty-first Century (Lanham, MD: Rowman Littlefield, 1998).

[3] Avrum Stroll, “Identity,” Encyclopedia of Philosophy (New York: MacMillan, 1967), Vol. IV, p. 121-124.  لمعالجة فلسفية معاصرة انظر Bartholomaeus Boehm, Identitaet und Identifikation: Zur Persistenz physikalischer Gegenstaende (Frankfurth/Main: Peter Lang, 1989). On the history and vicissitudes of “identity” and cognate terms, see W. J. M. Mackenzie, Political Identity (New York: St. Martin’s 1978), 19-27, and John D. Ely, “Community and the Politics of Identity: Toward the Genealogy of a Nation-State Concept,” Stanford Humanities Review 5/2 (1997), 76ff.

[4]  See Philip Gleason, “Identifying Identity: A Semantic History,” Journal of American History 69/4 (March 1983): 910-931. موسوعة العلوم الاجتماعية لعقد الثلاثينات (New York: Macmillan: 1930-1935) يحوي مدخلًا عن الهوية ولكن ليس “التعريف” – وهو يركز بشكل كبير على بصمات الأصابع وغيرها من القضايا ذات العلاقة بالقضاء (Thorstein Sellin, Vol. 7, pp. 573-575). الموسوعة العالمية للعلوم الاجتماعية لعام  1968  (New York: Macmillan), تحتوي على مدخل للتعريف السياسي  by William Buchanan (Vol. 7, pp. 57-61), ويركز على “التعريف السياسي للمرء بالجماعة ” – بما في ذلك الطبقة والحزب والدين – وأخرى عن الهوية السيكولوجية الاجتماعية,” by Erik Erikson (ibid., 61-65), وتركز على دور المرء للاندماج في جماعته

[5] Gleason, “Identifying Identity,” 914ff; for the appropriation of Erikson’s work in political science, see Mackenzie, Political Identity.

[6] Gleason, “Identifying Identity,” 915-918.

[7] Anselm Strauss, Mirrors and Masks. The Search for an Identity (Glencoe, Ill.: Free Press, 1959).

[8] Erving Goffman, Stigma: Notes on the Management of Spoiled Identity (Engle-wood Cliffs, N.J.: Prentice-Hall, 1963); Peter Berger and Thomas Luckmann, The Social Construction of Reality (Garden City, NY: Doubleday, 1966); Peter Berger, Brigitte Berger, and Hansfried Kellner, The Homeless Mind: Modernization and Consciousness (New York: Random House, 1973); Peter Berger, “Modern Identity: Crisis and Continuity,” in The Cultural Drama: Modern Identities and Social Ferment, ed. Wilton S. Dillon (Washington: Smithsonian Institution Press, 1974).

[9]          وكما أشار فيليب غليسون، فقد بدأ تعميم المصطلح بشكل جيد قبل الاضطراب الثقافي الذي حصل في منتصف وأواخر الستينيات. ويعزو غليسون هذا التعميم الأولي إلى منزلة العلوم الاجتماعية وسلطتها المعرفية، وإلى أهمية دراسات الشخصيات الوطنية في وقت الحرب وموجات ما بعد الحرب، إلى نقد المجتمع الجماهيري ما بعد الحرب، الذي أحدث من جديد إشكالية  “العلاقة الفرد  بالمجتمع” (“Identifying Identity”).

[10]         وصف إيريكسون الهوية بأنها “عملية ‘تقع’ في صميم الفرد وحتى الآن في جوهر ثقافته الجماعية، وهي عملية تؤسس …هوية هذين الهويتين ” (Identity: Youth and Crisis [New York: Norton,1968], 22, italics in the original). على الرغم من أن هذه صياغة متأخرة نسبيا، فقد تم تأسيس الرابط بالفعل في كتابات إيريكسون مباشرة بعد الحرب.

[11] انظر مثال Craig Calhoun, “New Social Movements of the Early Nineteenth Century,” Social Science History 17/3 (1993): 385-427.

[12]         قدمت مكانزي في Political Identity، ص11، تقريرا عن حلقة دراسية في 1974؛ كولز منصوص عليه في عمل غليسون، “Identifying Identity”، 913”. يلاحظ غليسون أن تمّ التفطّن للمشكلة حتى في وقت سابق: “ففي أواخر الستينات كان قد الوضع الاصطلاحي من السيطرة تماما “(المرجع نفسه ، 915). أعرب إيريكسون نفسه عن أسفه لاستخدامه “العشوائي “للهوية” و “لأزمة الهوية” في كتابه Identity:Youth and Crisis الذي نشر في عام 1968 (ص 16).

[13] Kwame Anthony Appiah and Henry Louis Gates, Jr., “Editors’ Introduction: Multiplying Identities,” in Identities, ed. Appiah and Gates (Chicago: University of Chicago Press, 1995), 1.

[14]         بين عامي 1990 و 1997 فقط، على سبيل المثال، تضاعف عدد المقالات الصحفية في قاعدة بيانات the Current Contents “هويات” في العنوان، في حين أن العدد الإجمالي للمقالات زاد بحوالي 20 في المئة. وجد جايمس فيرون زيادة مماثلة في عدد ملخصات أطروحة التي تحتوي على “الهوية”، حتى بعد التحكم في الزيادة في العدد الإجمالي للرسائل العلمية المستخرجة. انظر “What Is Identity (As We Now Use the Word)”

[15]             قد يتكلم المرء أيضاً عن أزمة “أزمة الهوية” الضيقة. بدأ مفهوم “أزمة الهوية”، المصاغ و المعمم من قبل إيريكسون وطبّقه لوسيان باي وآخرون على المجتمعات الاجتماعية والسياسية، في التلاشي في الستينيات. (أنظر إلى مقدمة كتاب إيريكسون Identity:Youth and Crisis ، ص. 16 لمعرفة تأملاته الرجعية وتقلبات العبارة). أصبحت الأزمات (بشكل متناقض) مزمنة. وانتشرت أزمات الهوية المزعومة إلى حد تدمير كل ما يعنيه المفهوم في السابق. ففي عام 1968 ، يمكن لإيريكسون أن يعرب عن أسفه لاستخدام العبارة بطريقة “طقوسية” (المرجع نفسه ، ص 16). أظهرت عينة ببليوغرافية حديثة العهد أن “أزمات الهوية” لا تستند فقط إلى المشتبه بهم المعتادين—وقبل كل الهويات العرقية والإثنية  والوطنية، والجندرية—و لكن أيضا إلى هذه المواد غير المتجانسة مثل الغال في القرن الخامس، مهنة الحراجة، وعلماء الأنسجة ، والسلك الطبي الفرنسي خلال الحرب العالمية الأولى، والإنترنت، و السونوال كشاري، والتعليم التقني في الهند، والتعليم الخاص في مرحلة الطفولة المبكرة، والممرضات في المستشفيات الفرنسية، ومعلمي روضة الأطفال، والتلفزيون، وعلم الاجتماع، وجماعات المستهلكين في اليابان، ووكالة الفضاء الأوروبية، ووزارة التجارة العالمية والصناعة اليابانية، والرابطة الوطنية للإذاعة، وكاثي باسيفيك إيرويز، المشيخية، ووكالة المخابرات المركزية، والجامعات، وكلوركس، والشيفروليه، والمحامين، وكالة إعادة تطوير في سان فرانسيسكو، واللاهوت الأسود، والأدب الاسكتلندي في القرن الثامن عشر، والأحافير.

[16]             إن كتاب Identities:Global Studies in Culture and Power، والذي ظهر في عام 1994، “يستكشف علاقة الهويات العرقية والإثنية والوطنية والتسلسل الهرمي للسلطة في الساحتين الوطنية والعالمية … [ويستجيب] لمفارقة عصرنا:ينتج  نمو الاقتصاد العالمي وحركات الشعوب العابرة للأوطان الممارسات الثقافية المميزة والهويات المتباينة ويكرّسها “(بيانات من “الأهداف والمجال” المطبوعة في داخل الغطاء الأمامي).  وتهتم مجلة Social Identities: Journal for the Study of Race, Nation and Culture، التي صدر عددها الأول في عام 1995، “بتشكيلات الهويات الاجتماعية الهامة وتحولاتها، وما يصاحب ذلك من أشكال الاستبعاد والقوة المادية، فضلا عن تحديد الاحتمالات السياسية والثقافية من خلال هذه التعريفات” (بيان مطبوع على الغلاف الداخلي الأمامي).

[17] Zygmunt Bauman, “Soil, Blood, and Identity,” Sociological Review 40 (1992): 675- 701; Pierre Bourdieu, “L’identite et la representation: Elements pour une reflexion critique sur l’idee de r&gion,” Actes de la recherche en sciences sociales 35 (1980): 63-72; Fernand Braudel, The Identity of France, trans. Sian Reynolds, 2 Vols. (New York: Harper & Row, 1988-1990); Craig Calhoun, “Social Theory and the Politics of Identity,” in Calhoun, editor, Social Theory and the Politics of Identity (Oxford, U.K. and Cambridge, Mass: Blackwell, 1994); S. N. Eisenstadt and Bern-hard Giesen, “The Construction of Collective Identity,” Archives europeennes de sociologie 36, no. 1 (1995): 72-102; Anthony Giddens, Modernity and Self-identity. Self and Society in the Late Modern Age (Cambridge: Polity Press, in association with Blackwell, Oxford, 1991); Jiirgen Habermas, Staatsbiirgerschaft und rationale Identitdt: Uberlegungen zur europaischen Zukunft (St. Gallen: Erker, 1991); David Laitin, Identity in Formation (Ithaca: Cornell University Press, 1998); Claude Levi-Strauss, editor, L’identite: Seminaire interdisciplinare (Paris: Presses Universitaires de France, 1977); Paul Ricoeur, Oneself as Another (Chicago: Uni-versity of Chicago Press, 1992); Amartya Sen, “Goals, Commitment, and Identity,” Journal of Law, Economics, and Organization 2 (Fall 1985): 341-355; Margaret Somers, “The Narrative Constitution of Identity: A Relational and Network Ap-proach,” Theory and Society 23 (1994): 605-649; Charles Taylor, “The Politics of Recognition,” in Multiculturalism and “The Politics of Recognition: An Essay”, (Princeton: Princeton University Press, 1992); 25-74; Charles Tilly, “Citizenship, Identity and Social History,” in Tilly, editor, Citizenship, Identity and Social History (Cambridge and New York: Cambridge University Press, 1996); Harrison White, Identity and Control: A Structural Theory of Social Action (Princeton, N.J.: Princeton University Press, 1992).

[18] عن مفاهيم التجربة القديمة والتجربة البعيدة – وهو مصطلح مستقى من هينز كووت- انظر Clifford Geertz, “From the Native’s Point of View,” in Local Knowledge (New York: Basic Books, 1983), 57.  التقابل الأساسي هنا يعود على الأقل إلى كتاب دوركايم، قواعد المنهج الاجتماعي، والذي انتقد الاستخدام السيسيولوجي لـ”المفاهيم القبلية” أو المفاهيم العامية التي “خلقت التجربة بها ولها” Emile Durkheim, The Rules of Sociological Method, trans. S. Solovay and J. Mueller, ed. G. E. G. Catlin, 8th ed. (New York: Free Press, 1964), 14-46.

[19]             كما يقول لويك فاكان عن العرق، إنّ “المقايضة المستمرة بين المفاهيم الشعبية والتحليلية، والتضخم غير المنضبط لمفاهيم “العرق” الاجتماعية والسوسيولوجية” ​​”أساسية لهذه الفئة. فمن بدايتها، وصف الخيال الجماعي “العرق”… وخلط  العلوم مع الحس السليم وتاجر على التواطؤ بينهما” ( 11 [1997]: 222-223 “For an Analytic of Racial Domination.” Political Power and Social Theory)

[20] عن “رواد الهوية الإثنية” انظر Barbara Lal, “Ethnic Identity Entrepreneurs: Their Role in Transracial and Intercountry Adoptions,” Asian Pacific Migration Journal 6 (1997): 385-413.

[21] تم الاسهاب في هذه الحجة في Rogers Brubaker, Nationalism Reframed (Cambridge: Cambridge University Press, 1996), chapter 1.

[22] . Mara Loveman, “Is ‘race’ essential? A comment on Bonilla-Silva,” American Sociological Review, November 1999. انظر أيضا Wacquant, “For an Analytic of Racial Domination”; Rupert Taylor, “Racial Terminology and the Question of ‘Race’ in South Africa,” manuscript, 7; and Max Weber, Economy and Society, ed. Guenther Roth and Claus Wittich (New York: Bedminster Press, 1968), 1: 385ff,  للمحاججات الحديثة التي شككت في الفائدة التحليلية من استخدام أفكار “العرق” و”الجماعة الاثنية” و”الامة”.

[23] .عن الامة كـ”خيال سياسي” انظر Louis Pinto, “Une fiction politique: la nation,” Actes de la recherche en sciences sociales 64 (September 1986): 45-50, a Bourdieuian appreciation of the studies of nationalism carried out by the eminent Hungarian historian Jen6 Sziics. On race as a “collective fiction,” see Wacquant, “For an Analytic of Racial Domination,” 222-223. The key work by Bourdieu in this domain is “L’identite et la representation: 6elments pour une reflexion critique sur l’idee de r6gion,” Actes de la recherche en sciences sociales 35 (November 1980), part of which is reprinted in Bourdieu, Language and Symbolic Power, trans. Mathew Adamson, ed. John B. Thompson (Cambridge: Harvard, 1991).

[24]  حتى المانيفستو السيسيولوجي غير المهادن ذو النزعة الموضوعية لم يجرؤ على هذا الموقف المتطرف، انظر The Rules of Sociological Method, chapter 2.

[25] Wacquant, “For an Analytic of Racial Domination,” 222. See also Wacquant’s criticism of the concept of “underclass” in “L’underclass urbaine dans l’imaginaire social et scientifique americain,” in Serge Paugam, editor, L’exclusion: I’etat des savoirs (Paris: La d6couverte, 1996): 248-262. 26. For a sustained and influential example, see Judith Butler, Gender Trouble: Femi-nism and the Subversion of Identity (New York and London: Routledge, 1990). 27. For a recent review, see Calhoun, “Social Theory and the Politics of Identity,” 9-36.

[26] For a sustained and influential example, see Judith Butler, Gender Trouble: Femi-nism and the Subversion of Identity (New York and London: Routledge, 1990).

[27] لمراجعة قريبة العهد انظر Calhoun, “Social Theory and the Politics of Identity,” 9-36.

[28]         يبتعد إدواردو بونيلا سيلفا، على سبيل المثال، من وصف بنائي “للنظم الاجتماعية العنصرية” على أنّها “مجتمعات … منظمة جزئيًا من خلال وضع الجهات الفاعلة في الفئات العرقية” إلى الادعاء بأن هذا التنسيب “ينتج علاقات اجتماعية محددة بين الأعراق” حيث توصف “الأعراق” بأنها مجموعات اجتماعية حقيقية ذات اهتمامات موضوعية مختلفة (“Rethinking Racism:Toward a Structural Interpretation”, American Sociological Review، 62 (1996) ، 469-470). ففي كتابهم المهم Racial Formation in the United States( الطبعة الثانية، نيويورك: روتليدج، 1994)، يسعى مايكل أومى وهوارد وينانت إلى يكونا أكثر بنائية باستمرار. ولكنهم بذلك أيضا فشلوا في الحفاظ على وفائهم لتعريفهم البنائي “للعرق” بأنّه “غير مستقر” “و تركيبة من المعاني الاجتماعية المعقدة اللامركزية التي تتغير باستمرار بالنضال السياسي … [و بأنّه] مفهوم يدل على النزاعات والمصالح الاجتماعية من خلال الإشارة لأنواع مختلفة من الأجسام البشرية “(55). كانت ولا تزال تجارب المهاجرين “البيض الأوروبيين” التاريخية، حسبما يقولون، في جوهرها مختلفة عن تجارب “مجموعات الأقليات العرقية” تلك (بما في ذلك اللاتينيون و الأمريكيون الآسيويون بالإضافة إلى الأمريكيين من أصل أفريقي والهنود الحمر) ؛ ينطبق “نموذج الإثنية” عليهم ولا ينطبق على الآخرين، ليس بسبب “إهمالهم للعرق في حد ذاته ” (14-23). ​​هذا التمييز الحاد بين المجوعات “العرقية “و المجموعات “الإثنية ” يهمل حقيقة أنّ—وهي الآن راسخة في الأدب التاريخي—”بياض” العديد من مجموعات المهاجرين الأوروبيين قد “تحقق” بعد فترة أولية يتم فيها تصنيفهم في كثير من الأحيان على أساس عرقي أو شروط تشبه العرقية كغير بيض. كما يهمل أيضا ما يمكن أن يسمى بعمليات “نزع العنصرية” بين بعض الجماعات التي تعتبر في الأساس “عنصرية”. للأوّل انظر James R.Barret and David Roediger, “Inbetween Peoples: Race, Nationality and the ‘New Immigrant’ Working Class”, Journal of American Ethnic History 16 (1997): 3-44; و للأخير، انظر Joel Perlman and Roger Waldinger, ” Second Generation Decline? Children of Immigrants, Past and Present- a Reconsideration”

[29]         جادل والتر بن مايكلز بأن المفاهيم البنائية الظاهرية للثقافة الهوية بقدر ما هي مقدمة—كما هي مقدمة في كثير من الأحيان في الممارسة، لا سيما فيما يتعلق بالعرق والإثنية والجنسية– كأسباب للإيمان وتقييمنا لمجموعة من المعتقدات أو الممارسات، لا يمكن أن تتجنب الادعاءات الجوهرانية حول من نكون. “لا توجد روايات معادية لجوهرانية الهوية …لا تكمن الجوهرانية في وصف الهوية ولكن في المحاولة لأن تستمد الممارسات من الهوية – نفعل ذلك لأننا كذلك. ومن هنا يجب أن تأخذ مكافحة الجوهرانية …لا شكل انتاج المزيد من روايات الهوية المركبة  (أي الجوهرانيات الأكثر تعقيدًا) بل للتوقف عن توضيح ما يفعله الناس أو ما يجب فعله بالرجوع إلى من هم و/ أو الثقافة التي ينتمون  إليها”. (“Race into Culture: A Critical Genealogy of Cultural Identity”in Identities, ed,. Appiah and Gates, p.61n ). ولكن لاحظ الحذف المهم في نهاية المقطع المقتبس بين “الفعل” و “ما يجب القيام به”. الجوهرانية، حسب مايكلز، لا تكمن في “محاولة لاشتقاق [بشكل تفسيري] الممارسة من الهوية”  بل “من محاولة افتراض الممارسات على أساس الهوية المنسوبة: يجب عليك القيام بذلك لأنك أنت كذلك.

[30] لطريقة مختلفة لاجابة هذا السؤال انظر Fearon, “What is Identity (As We Now Use the Word)?”

[31] على سبيل المثال انظر, Jean L. Cohen, “Strategy or Identity: New Theoretical Paradigms and Contemporary Social Movements,” Social Research 52/4 (Winter 1985): 663-716.”

[32] Somers, “The Narrative Constitution of Identity.”

[33]         تعتمد هذه المعارضة على مفهوم ضيق لفئة “المصلحة”، وهي تقتصر على المصالح التي تفهم على أنها مستمدة مباشرة من البنية الاجتماعية (انظر على سبيل المثال المرجع السابق، 624). إذا كان يُفهم بدلاً من ذلك أنه تمّ تشكيلها ثقافيا وخطابيا، وأنّها معتمدة على تحديد خطابي للمصالح و (بشكل أساسي أكثر) ووحدات ذات مصلحة، وأنها “مشكّلة ويعاد تشكيلها في الوقت المناسب وبمرور الوقت”، مثل الهويات السردية في فكر سومر، فإذن تفقد المعارضة الكثير من قوتها.

[34]         تؤكد بعض فروع التنظير الهووي على الاستقلال الذاتي النسبي لفهم الذات في مقابل الموقع الاجتماعي. إن هذا الاتجاه هو الأكثر وضوحا في الشكل الرابع والخامس الموجود أدناه.

[35]         إنّ التصور المعاصر للهوية على أنه مجرّد من البنية الاجتماعية هو غريب بالنسبة لمعظم الأوضاع الاجتماعية لما قبل الحداثة، حيث تفهم الهوية الذاتية في الغالب وغيرها على أنها تنبع مباشرة من البنية الاجتماعية. انظر على سبيل المثال ، انظر على سبيل المثال Peter Berger, “On the Obsolescence of the Concept of Honor”, 172-181 in Revisions: Changing Perspectives in Moral Philosophy, ed. Stanley Haurwas and Alasdair MacIntyre (Notre Dame: University of Notre Dame Press, 1983).

[36] Alberto Melucci, “The Process of Collective Identity,” in Social Movements and Culture, ed. Hank Johnston and Bert Klandermans (Minneapolis: University of Minnesota Press, 1995).

[37]         ينتقد كثير من الأعمال الأخيرة حول الجندر، على وجه اليقين، الفكرة “الجوهرانية” بأن المرأة تشترك في التماثل الأساسي. ومع ذلك، بعض مسارات الأعمال الأخيرة تسند مثل هذا التشابه لبعض من “المجموعة” المحددة من قبل تقاطع الجندر مع الصفات الفئوية الأخرى (العرق، الإثنية، الطبقة، والميول الجنسية). انظر، على سبيل المثال، Patricia Hill Collins, Black Feminist Thought: Knowledge, Consciousness, and the Politics of Empowerment (Boston:Unwin Hyman, 1990)

[38] انظر على سبيل المثال, Harold R. Isaacs, Idols of the Tribe: Group Identity and Political Change (New York: Harper & Row, 1975); Walker Connor, Ethnonationalism, The Quest for Understanding (Princeton: Princeton University Press, 1994), 195-209

[39] لمعالجة فلسفية وتاريخية مركبة انظر Charles Taylor, Sources of the Self: The Making of the Modern Identity (Cambridge: Harvard University Press, 1989).

[40] بعض المقولات الأساسية لاريكسون نفسه انظر Identity: Youth and Crisis, 22.

[41] انظر على سبيل المثال, Calhoun, “The Problem of Identity in Collective Action”; Melucci, “The Process of Collective Identity”; Roger Gould, Insurgent Identities: Class, Community and Protest in Paris from 1848 to the Commune (Chicago: University of Chicago Press, 1995).

[42] انظر على سبيل المثال, Stuart Hall, “Introduction: Who Needs ‘Identity?'” in Questions of Cultural Identity, edited by Stuart Hall and Paul du Gay (London: Sage, 1996).

[43] انظر على سبيل المثال Richard Werbner, “Multiple Identities, Plural Arenas,” in Richard Werbner and Terence Ranger, editors, Postcolonial Identities in Africa (London: Zed, 1996), 1-26.

[44]         وثمة استثناءان مهمان، وإن كانا جزئيان، يستحقان الملاحظة. وضع والتر بن مايكلز نقدا رائعا واستفزازيا لمفهوم “الهوية الثقافية “في” العرق في الثقافة”. ولكن هذا المقال يركز أقل على الاستخدامات التحليلية لمفهوم “الهوية” من صعوبة تحديد ما الذي يجعل” ثقافتنا” أو “ماضينا” يحسب كشيء “خاص بنا”- عندما لا تكون هناك إشارة إلى ممارسات المرء الثقافية الحالية أو ماضيه الشخصي الحالي ولكن إلى ثقافة مجموعة مفترضة أو ماض جماعي- من دون استدعاء مفهوم “العرق. يختم أن “إحساسنا بالثقافة يختص بشكل مميز بتهجير العرق ، ولكن … تحولت الثقافة إلى طريقة للاستمرار بدلاً من الرفض للفكر العرقي. إنّه النداء فقط إلى العرق الذي… يعطي مفاهيم مثل فقدان الثقافة، أو الحفاظ عليها، [أو] … استعادة ثقافة الناس لأنفسهم …وعواطفهم ” (61-62). ويجادل ريتشارد هاندلر بأنه “يجب علينا أن نشكّك في “الهوية ” كما تعلمنا أن نكون تابعي “لثقافة” و “تقاليد” و “أمة” و “مجموعة عرقية ما” (27)، ولكنه فيما بعد يسحب لكماته الناقدة. إنّ حجته المركزية—بروز “الهوية” في المعاصرة الغربية، وخاصة المجتمع الأمريكي “لا يعني ذلك أن يمكن تطبيق هذا المفهوم دون تفكير في مواضع وأزمنة أخرى” (27)—بالتأكيد صحيحة، لكنه يعني أنه يمكن تطبيق المفهوم بشكل مثمر في الأوضاع المعاصرة الغربية، حيث تميل مقاطع أخرى في نفس المقالة وكذلك عمله الخاص على القومية الكيبيكوية إلى التشكيك في هذا المفهوم. انظر، “Is ‘Identity’ a Useful Cross-Cultural Concept? In Commemorations: the Politics of National Identity, ed. John Gillis (Princeton: Princeton University Press, 1994); الشواهد مقتطفة من ص. 27”. انظر كذلك، Handler, Nationalism and the Politics of Culture in Quebec (Madison: University of Wiconsin Press, 1988)

[45] Stuart Hall, “Who Needs ‘Identity?'” 2.

[46]         “أنا استخدم ‘الهوية’ للإشارة إلى نقطة الالتقاء، نقطة اللأم، بين  الخطابات والممارسات التي تحاول “الاستجواب”، وتتحدث إلينا لتحيينا في مكاننا كمواضيع اجتماعية لخطابات معينة من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإنّ العمليات التي تنتج الخصوصيات، والتي تنشئنا كموضوعات يمكن أن “تتحدث”. فالهويات بالتالي نقاط ارتباط مؤقت بالمواقف التي تبنيها الممارسات الخطابية لنا “(المرجع نفسه، 5)

[47] Claude Levi-Strauss, concluding remarks to Levi-Strauss, ed., L’identite, 332.

[48] Lawrence Grossberg, “Identity and Cultural Studies: Is That All There Is,” in Hall and du Gay, editors, Questions of Cultural Identity, 87-88.

[49] Melucci, “The Process of Collective Identity,” 46.

[50]         وهنا يبدو الخلط بين أصناف التحليل وأصناف الممارسة جليا. كما جادل ريتشارد هاندلر، فإن المفاهيم العلمية مثل “الأمة” و “الهوية الوطنية” تميل إلى تكرار السمات الرئيسية للقومية الأيديولوجية، ولا سيما الفهم البديهي للحدود والتجانس في “الأمة” المفترضة (Nationalism and the Politics of Culture in Quebec). ونفس الحجة يمكن أن تكون حول “العرق” أو “الإثنية”.

[51] انظر على سبيل المثال Isaacs, Idols of the Tribe; Connor, “Beyond Reason: The Nature of the Ethnonational Bond,” in Connor, Ethnonationalism.

[52] Somers, “The Narrative Constitution of Identity”; the quotations are from 605, 606, 614, and 618, emphasis in original. See also Somers’s “Narrativity, Narrative Identity, and Social Action: Rethinking English Working-Class Formation,” Social Science History 16/4 (Winter 1992): 591-630. For another argument for seeing identity in terms of narrative, see Denis-Constant Martin, “The Choices of Identity,” Social Identities 1/1 (1995), 5-20; see also idem, “Introduction: Identités et politique: Recit, mythe, et ideologie,” 13-38 in Denis-Constant Martin, editor, Cartes d’identite: Comment dit-on “nous “en politique? (Paris: Presses de la Fondation Nationale des Sciences Politiques, 1994).

[53] Charles Tilly, “Citizenship, Identity and Social History,” 1-17 in Citizenship, Identity and Social History, ed. Charles Tilly (Cambridge: Cambridge University Press, 1996). The quotations are from p. 7.

[54] Craig Calhoun, “The Problem of Identity in Collective Action,” in Joan Huber, editor, Macro Micro Linkages in Sociology (Newbury Park, Cal.: Sage, 1991). The quotations are from pp. 53, 64-67.

[55] Ibid., 53, 68.

[56] Calhoun, “Social Theory and the Politics of Identity,” 9.

[57].        فيما يتعلق بمزايا “التعريف”، انظر هول، “Who needs ‘Identity'”. وبالرّغم من أنّ فهم هول الفوكلودي/ وما بعد-الفرويدي “للتعريف”، حيث يعتمد على “مرجع الخطابة والتحليل النفسي”، ويختلف تماما عمّا اقترحناه آنفا، فإنّه ينبّه بشكل مفيد أن التعريف “صعب تقريبا مثل “الهوية” نفسها، رغم أنّه مفضل عليها؛ وبالتأكيد لا يوجد ضمان ضد الصعوبة المفاهيمية التي تعاني منها هذه الأخيرة “(الصفحة 2).انظر، Andreas Glaeser, “Divided in Unity”: The Hermeneutics of Self and Other in the Postunification Berlin Police” (Ph.D. Dissertation, Harvard University, 1997), esp. Chapter 1

[58] Craig Calhoun, Nationalism (Minneapolis: University of Minnesota Press, 1997), 36ff.

[59] لمنظور انثروبولوجي يوسع النموذج البريثاني انظر Richard Jenkins, “Rethinking Ethnicity: Identity, Categorization and Power,” Ethnic and Racial Studies 17/2 (April 1994): 197-223, and Jenkins, Social Identity (London and New York: Routledge, 1996).

[60] بيتر برغر في, “Modern Identity,” 163-164,  أشار إلى نقطة مشابهة لكنه عبر بها في عبارات جدلية -أو ربنا متصارعة- بين الهوية الذاتية والموضوعية

[61] Gerard Noiriel, La tyrannie du national (Paris: Calmann-Levy, 1991), 155-180; idem, “L’identification des citoyens: Naissance de l’etat civil republicain,” Geneses 13 (1993): 3-28; idem, “Surveiller des deplacements ou identifier les personnes? Contribution a l’histoire du passeport en France de la Ier a la III Republique,” Geneses 30 (1998): 77-100; Beatrice Fraenkel, La signature. genese d’un signe (Paris: Gallimard, 1992عدد من المتخصصين بنا فيهم جاين كابلين وعالم الاجتماع جون توربي في جامعة كاليفورنيا بأرفاين يعملون حاليا على فهم جوازات السفر وغيرها من وثائق الهوية.

[62] Michel Foucault, “Governmentality,” in Graham Burchell et al., editors, The Foucault Effect: Studies in Governmentality (Chicago: University of Chicago Press, 1991), 87-104. مفاهيم مشابهة طبقت في دراسات المجتماعات المستعمرة تحديدا في الطريقة التي يصنف بها المستعمر ويجري التعدادات السكانية التي تشكل بل وتخلق الظاهرة الاجتماعية مثل “القبيلة” او “الطبقة” في الهند. انظر على وجه الخصوصBernard Cohn, Colonialism and Its Forms of Knowledge. The British in India (Princeton: Princeton University Press, 1996).

[63] في صعوبات مفارقات “إدارة الهوية” أي تحديد انتماء المرء بشكل شرعي إلى فئة من الفئات عند تطبيق القوانين التي تتضمن العرق انظر Christopher A. Ford, “Administering Identity: The Determination of ‘Race’ in Race-Conscious Law,” California Law Review 82 (1994): 1231-1285

[64] Charles Tilly, Durable Inequality (Berkeley: University of California Press, 1998).

[65] Melissa Nobles,” ‘Responding with Good Sense’: The Politics of Race and Censuses in Contemporary Brazil,” Ph.D. Dissertation, Yale University, 1995.

[66] See, for example, Melucci, “The Process of Collective Identity”; Martin, “The Choices of Identity.”

[67] Stuart Hall, “Introduction: Who Needs ‘Identity?”‘; Margaret Somers, “The Narrative Constitution of Identity.”

[68] انظر Hall, “Introduction,” 2ff; and Alan Finlayson, “Psychology, psychoanalysis and theories of nationalism,” Nations and Nationalism 4/2 (1998): 157ff.

[69] Pierre Bourdieu, The Logic of Practice, trans. Richard Nice (Cambridge: Polity Press, 1990).

[70]  هناك أدبيات انثروبولوجية واسعة حول أفريقيا ومجتمعات أخرى على سبيل المثال تصف طقوس العلاج والمس وحركات محاربة الشعوذة وغيرها من الظواهر الجمعية كأشكال لفهم النفس بشكل معين حيث يجد المرء لنفسها موقعا ضمن وسطه الاجتماعي. انظر الدراسات الكلاسيكية منها Victor Turner, Schism and Continuity in an African Society: A Study of Ndembu Village Life (Manchester: Manchester Uni-versity Press, 1957) and I. M. Lewis, Ecstatic Religion: An Anthropological Study of Spirit Possession and Shamanism (Harmondsworth, U.K.: Penguin, 1971) أو الحديثة Paul Stoller, Fusion of the Worlds: An Ethnography of Pos-session among the Songhay of Niger (Chicago: University of Chicago Press, 1989) and Janice Boddy, Wombs and Alien Spirits. Women, Men and The Zar Cult in Northern Sudan (Madison: University of Wisconsin Press, 1989).

[71]  انظر Fragments from the Other Side of the War, trans. Maja Soljan (New York: W.W. Norton, 1993), 50-52.

[72]  انظر على سبيل المثال Peter Berger, “Modern Identity: Crisis and Continuity,” 162.

[73] انظر على سبيل المثال Craig Calhoun, “The Problem of Identity in Collective Action,” 68, characterizing “ordinary identity.”

[74] لمثال جيد على ذلك انظر تحليل ماري ووترز لـ”هويات” اثنية عملية وغير مقيدة أو ما أسماه هربيرت قانز “الاثنية الرمزية” للجيل الثالث أو الرابع من سلالة االمهاجرون الأوروبيون الكاثوليك للولايات المتحدة في  Ethnic Options: Choosing Identities in America (Berkeley: University of California Press, 1990).

[75] Charles Tilly, From Mobilization to Revolution (Reading, Mass.: Addison-Wesley, 1978), 62ff.

[76] حول مركزية المشتركات الفئوية للقومية الحديثة انظر   Handler, Nationalism and the Politics of Culture in Quebec, and Calhoun, Nationalism, chapter 2.

[77] انظر على سبيل المثال النقاش حول “المستلزمات المعادية للفئوية” في  Mustafa Emirbayer and Jeff Goodwin, “Network Analysis, Culture, and the Problem of Agency,” American Journal of Sociology 99/6 (May 1994): 1414.

[78] Lonsdale, “When Did the Gusii or Any Other Group Become a Tribe?” Kenya Historical Review 5/1 (1977): 355-368; Abner Cohen, Custom and Politics in Urban Africa: A Study of Migrants in Yoruba Towns (Berkeley: University of California Press, 1969). Anthropologists were influenced by the work of Fredrick Barth, editor, Ethnic Groups and Boundaries: The Social Organisation of Cultural Differ-ence (London: Allen & Unwin, 1969), especially Barth’s “Introduction,” 9-38. More recent and systematic constructivist accounts include Jean-Loup Amselle and Elikia M’Bokolo, editors, Au coeur de ‘ethnie: Ethnies, tribalisme et etat en Afrique (Paris: Editions la Decouverte, 1985); Leroy Vail, editor, The Creation of Tribalism in Southern Africa (Berkeley: University of California Press, 1988); Terence Ranger, “The Invention of Tradition in Africa,” in Eric Hobsbawm and Terence Ranger, editors, The Invention of Tradition (Cambridge: Cambridge Uni-versity Press, 1983), 211-262.

[79]  أصبح الحديث عن الهوية شائعًا بين المستفرقين في السنوات الأخيرة، حيث التأكيد المعتاد على أن الهوية متعددة والتي نادرا ما تلحق بتبرير لسبب اعتبار ما هو متعدد هوية انظر.   Richard Werbner, “Multiple Identities, Plural Arenas,” in Richard Werbner and Terence Ranger, editors, Postcolonial Identities in Africa (London: Zed, 1996), 1-26.  لقد كان المستفرقين دائما ناقدين لمفاهيم العرق والإثنية لكنهم على الرغم من ذلك يستخدمون “الهوية” دون نظرة فاحصة انظر على سبيل المثال العدد الخاص لمجلة الدراسات الشرق افريقية (1994), coordinated by Saul Dubow, John Sharp, and Edwin N. Wilmsen. “Ethnicity and Identity in Southern Africa.” ولدراسات تطبق بشكل واعي طيف من مصطلحات الانتماء بشكل فاحص لما هو “هوياتي” في سياقات مجددة  انظر Claude Fay, “‘Car nous ne faisons qu’un’: identites, equivalen-ces, homologies au Maasina (Mali),” Cahier des Sciences Humaines 31/2 (1995) 427-456. Identitarian positions are severely criticized in Jean-Francois Bayart, L’illusion identitaire (Paris: Fayard, 1996).

[80] E. E. Evans-Pritchard, The Nuer: A Description of the Modes of Livelihood and Political Institutions of a Nilotic People (Oxford: Clarendon, 1940).

[81] انظر Abner Cohen, “Cultural Strategies in the Organization of Trading Diasporas,” in Claude Meillassoux, editor, The Development of Indige-nous Trade and Markets (London: Oxford University Press, 1971).

[82] Paul Richards, Fighting for the Rain Forest: War, Youth and Resources in Sierra Leone (Oxford: Currey, 1996), 79.

[83] John Lonsdale, “States and Social Processes in Africa,” African Studies Review 24/2-3 (1981): 139-225.

[84] Jane Guyer, “Household and Community,” African Studies Review 24/2-3 (1981): 87-137; Jean-Loup Amselle, Logiques metisses. Anthropologie de l’identite, en Afrique et ailleurs (Paris: Payot, 1990).

[85] Sharon Hutchinson, Nuer Dilemmas. Coping with Money, War, and the State (Berkeley: University of California Press, 1995), 29.

[86] Gerard Prunier, The Rwandan Crisis (New York: Columbia University Press, 1996) and Jean-Pierre Chretien, Le Defi de l’ethnisme: Rwanda et Burundi: 1990- 1996 (Paris: Karthala, 1997).  وبشكل مشابه كانت دراسة ريتشارد للصراع في سيراليون مشددة على دور الشبكات أكثر من الجماعات وعلى الاختلاط أكثر من التباين وعلى تداخل الرؤى الأخلاقية على صراع “الثقافات” (Richards, Fighting for the Rain Forest).

[87] لتفصيل هذه الحجة انظر Rogers Brubaker, “Myths and Miscon-ceptions in the Study of Nationalism,” in John Hall, editor, The State of the Nation. Ernest Gellner and the Theory of Nationalism (Cambridge: Cambridge University Press, 1998). 88. ولتفصيل أوسع للحجة انظرBrubaker, Nationalism Reframed, chap-ter 2. For a parallel argument about Yugoslavia, see Veljko Vujacic and Victor Zaslavsky, “The Causes of Disintegration in the USSR and Yugoslavia,” Telos 88 (1991): 120-140.

[88] لتفصيل أوسع للحجة انظر Brubaker, Nationalism Reframed, chap-ter 2. For a parallel argument about Yugoslavia, see Veljko Vujacic and Victor Zaslavsky, “The Causes of Disintegration in the USSR and Yugoslavia,” Telos 88 (1991): 120-140.

[89]         ومن المؤكد أن بعض المناطق السوفياتية المحيطية قد شهدت بالفعل حركات وطنية في السنوات الأخيرة من الإمبراطورية الروسية (وأثناء الحرب الأهلية)، ولكن حتى في تلك المناطق، كان الأساس الاجتماعي لمثل هذه الحركات ضعيفًا، وكان التماهي مع “الأمة” يقتصر على جزء صغير نسبيا من تعداد السكان. وفي مكان آخر، فإن أهمية النظام في الانقسامات الوطنية كان أكثر وضوحا.On Soviet “nation-making” in the 1920s, see Yuri Slezkine, “The U.S.S.R as a Communal Apartment, or How a Socialist State Promoted Ethnic Particularism”, Slavic Review 53 (Summer 1994): 414-452; Terry D. Martin, “An Affirmative Action Empire: Ethnicity and the Soviet State, 1923-1983” Ph.D. Dissertation, University of Chicago, 1996.  

[90] لبيانات عن القومية واللغة انظر Gosudarstvennyi Komitet po Statistike, Natsional’nyi Sostav Naseleniia SSSR (Moscow: Finansy i Statistika, 1991): 78-79.

[91] Gitlin, Twilight, 134.

[92] Edmund Morgan, American Slavery, American Freedom. The Ordeal of Colonial Virginia (New York: Norton, 1975). لأعمال اكثر جدة لهذه المرحلة التأسيسية انظر العدد الخاص William and Mary Quarterly, 3rd Series, 54/1 (1997), “Constructing Race: Differentiating Peoples in the Early Modern World,” and Ira Berlin, Many Thousands Gone. The First Two Centuries of Slavery in Northern America (Cambridge: Harvard University Press, 1998).

[93]         كانت الطرق المختلفة التي يتم بها تكوين العرق في الأمريكتين أحد المواضيع التي نشأ فيها التاريخ المقارن، لا سيما بعد كتاب  Frank Tannenbaum, Slave and Citizen: the Negro in the Americas (New York: Knopf, 1946)  (نيويورك: كنوبف، 1946). Charles Wagley, “On the Concept of Social Race in the Americas, “531-545 in Contemporary Cultures and Societies in Latin America, ed. D.B Heath and R.N Adams ( New York: Random House, 1965). A more recent constructivist argument about the historical specificity of the idea of being “white” is exemplified in David Roediger, The Wages of Whiteness: Race and the Making of the American Working Class (London: Verso, 1991).

[94]         إنّ وصف مارتن ديلاني لرحلته لأفريقيا، وهو إحدى النصوص التأسيسية لما يعتبر في بعض الأحيان القومية السوداء، معروف جدا بسبب عدم اهتمامه في الممارسات الثقافية للأفارقة التي عرفها. وما كان يحسب له هو أن مسيحي من أصل أفريقي يجد مصيره في تخليص نفسه الاضطهاد الذي واجهه في الولايات المتحدة وجلب الحضارة المسيحية إلى أفريقيا. انظر Martin R.Delany and Robert Campbell, , Search for a Place:Black Separatism and Africa 1860,ed. Howard H. Bell (Ann  Arbor: University of Michigan Press, 1969).   أنظر جايمس كامبل للتعرف على كتاب نشر مؤخرا حول العلاقات الإفريقية الأمريكية الإفريقية و مختلف الطرق التي تتحقق بها الارتباطات في حين تعزّز بها الاختلافات الثقافية، Songs of Zion: The African Methodist Episcopal Church in the United States and South Africa (New York: Oxford University Press, 1995).

[95] Eric Lott, “The New Cosmopolitanism: Whose America?” Transition 72 (Winter 1996): 108-135.

[96] لمثل هذه الاسهامات انظر Kwame Anthony Appiah, In My Father’s House: Africa in the Philosophy of Culture (New York: Oxford University Press, 1992).

[97]  قام وولتر بين مايكل بالتأكيد على هذه  النقطة (“Race into Culture”): نسبة الأفراد إلى الهويات الثقافية إنما هو أكثر إشكالية من تعريق هذه الهويات.

[98] Alisdair MacIntyre, After Virtue (Notre Dame, Indiana: University of Notre Dame Press, 1981), 22.

[99] Iris Marion Young, “Polity and Group Difference: A Critique of the Ideal of Universal Citizenship,” Ethics 99 (January 1989): 257, 258. See also Young’s Justice and the Politics of Difference (Princeton: Princeton University Press, 1990).

[100] Young, “Polity and Group Difference,” 267, 261.

[101] Ibid., 267, 268.

[102] انظر تحديدا هذا الكتاب المؤثر Will Kymlicka: Liberalism, Com-munity, and Culture (Oxford: Clarendon Press, 1991) and Multicultural Citizen-ship. A Liberal Theory of Minority Rights (Oxford: Clarendon, 1995).

[103] Adam Przeworski, “Proletariat into a Class: The Process of Class Formation from Karl Kautsky’s ‘The Class Struggle’ to Recent Controversies,” Politics and Society 7 (1977): 372.

[104] Pierre Bourdieu, “L’identite et la representation: Elements pour une riflexion critique sur l’idee de region,” Actes de la recherche en sciences sociales 35 (1980): 63-72.

[105]  David Laitin, “Marginality: A Microperspective,” Rationality and Society 7/1 (January 1995): 31-57.

[106]       في مناظرة مع يانغ، قابلت الفيلسوفة سياسات “الاعتراف” لدى نانسي فريزر “بإعادة التوزيع”، بحجة أن كلاهما مطلوب، لأنّه يتم استغلال بعض المجموعات ووصمها أو لا يعترف بها. وما يلفت الانتباه هو أن الأطراف على حد السواء في المناقشة يعاملون حدود المجموعة بشكل قاطع، وكلاهما بالتالي يتصور السياسة التقدمية محتوية على تحالفات بين المجموعات. وكلاهما أهمل أشكال أخرى من العمل السياسي الذي لا يفترض مسبقا وجود القواسم المشتركة أو “حالة الجماعة”. Nancy Fraser, “From Redistribution to Recognition? Dilemmas of Justice in a ‘Post-Socialist’ Age”, New Left Review 212(1955):68-93:Iris Marion Young, “‘Unruly  Categories’ A Critique of Nancy Fraser’s Dual Systems Theory,” ibid., 222 (1977):147-160.

[107] Margaret E. Keck and Kathryn Sikkink, Activists Beyond Borders: Advocacy Networks in International Politics (Ithaca: Cornell University Press, 1998); Audie Klotz, Norms in International Relations: The Struggle Against Apartheid (Ithaca: Cornell University Press, 1995). See also the classic study of Jeremy Boissevain, Friends of Friends: Networks, Manipulators and Coalitions (Oxford: Blackwell, 1974).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *